أسرة سعيدة في إحدى القرى الريفية، الأم سيدة أربعينية تعمل مدرسة للغة العربية فعشقتها منذ نعومة أظافرها وعندما كبرت اختارت أن تكون مجال دراستها وعملها، والأب مهندس معماري اقترب من عامه الخمسين لا يدخر نقطة عرق من أجل راحة أسرته، والإبن "ياسين" تلميذًا في المرحلة الإعدادية بإحدى المدارس الحكومية حيث لم يستطيع والده توفير المال اللازم لإلحاقه بمدرسة خاصة مثل باق أطفال عائلتهم.
حياة هادئة عاشتها هذه الأسرة مثل أي أسرة مصرية بين العمل ومشاكل الحياة وهمومها، والسعادة التي تغمر بعض أوقاتها ولحظات الفخر والنجاح وأوقات للتنزه واللحظات السعيدة، استمرت حياتهم المستقرة سنوات طويلة كانت تحسدهم عليها جميع أفراد عائلتهم وجيرانهم، حيث لم يسمع أحدًا من قبل عن مشكلة أو أزمة عكرت صفو هذه الأسرة أبدًا.
وبعد سنوات من الهدوء والاستقرار عاشها "ياسين" في كنف والده ووالدته، وعند استعداده لدخول الجامعة جاءت اللحظة التي غيرت حياته رأسًا على عقب، حيث مات والده في حادث أثناء عمله في إحدى المواقع الهندسية، ورفضت الشركة التي كان يعمل بها صرف مستحقاته المالية كاملة واكتفت فقط بصرف معاش شهري بسيط لأسرته وتخلى الجميع عنهم وأصبح لا مفر أمامه إلا ليترك الجامعة، لكن انتفضت والدته ورفضت هذا الأمر تمامًا ورغم تقدم عمرها إلى أنها قررت أن تعمل من أجل أن يستكمل دراسته.
عملت الوالدة في تدريس اللغة العربية في إحدى مراكز تعليم اللغة للأجانب، واستطاعت على مدار سنوات طويلة أن تصل بـ إبنها إلى بر الأمان وتخرج من كلية العلوم قسم الفيزياء وحصل على وظيفة جيدة عقب تخرجه مباشرة وبعد عدة سنوات، واستطاع أن يوفر الأموال اللازمة من أجل الزواج من "يمنى" زميلته بالجامعة والتي عشقها على مدار سنوات الدراسة وتم عقد القران سريعًا وأقام مع والدته في شقة أسرتهما.
لم تستطيع "يمنى" تحمل والدته كثيرًا خاصة وأن بدا يظهر عليها علامات الشيخوخة وقد شارفت على عامها الـ60، وبدأت الشكوى لزوجها من تصرفات والدته الغير مسئولة وأنها لم تعد تطيق الحياة معها في منزل واحد، ومع ضغوط الزوجة وحب "ياسين" لها رضخ لطلباته وقرر أن يذهب بوالدته إلى "دار مسنين" لتقيم فيها السنوات الباقية من عمرها متناسيًا ما فعلته من أجله وما تنازلت عنه من صحتها وحياتها حتى توفر له حياة هادئة وأسرة مستقرة.
مشاغل الحياة أبعدت "ياسين" عن زيارة والدته بشكل منتظم في "دار المسنين" وظل عدد زيارته يتضاءل حتى أصبح لا يراه إلا على فترات بعيدة جدًا قد تصل إلى عدة أشهر، وبعد فترة تعرض لضائقة مالية وقرر أن يبيع منزل الأسرة لتوفير المال اللازم على أن يحصل على شقة بالإيجار ليعيش فيها مع زوجته، وأثناء بحثه على الأوراق الخاصة بالمنزل وجد مفاجأة مدوية، شهادة ميلاد له ولكن لوالدين آخرين غير اللذان عاش عمره كله معهما، وأصابه هذ الأمر بحيرة شديدة وبدأ يتساءل في نفسه عن سبب ذلك؟
لم يجد "ياسين" إلا والدته الذي تفسر له هذا السر وعلى الفور توجه إليها وبدأ سؤالها عن سبب نسبه لوالدين غيرهما ومع ضغوط ياسين لم تستطيع الوالدة إخفاء السر أكثر من ذلك، وقالت له أنها وزوجها وجدوه أمام أحد أبواب المساجد وكان لا ينجبان وقرر أن يأخذوه لتربيته في منزلهما وتوفير حياة كريمة له بدلًا من تركه وحيدًا في الشوارع وقام باستخراج شهادة ميلاد جديدة له والاحتفاظ بالقديمة لعل أحدًا من أسرته يظهر يومًا ما.
لم يتمالك الإبن نفسه من الصدمة وهو من أساء للسيدة التي أكرمته وخر على ركبتيها يتوسل لها أن تسامحه وبدأ يقبل قدميها لتغفر له ذنبه الكبير.....
Content created and supplied by: alaa_taha20 (via Opera News )
تعليقات