الأب هو السند الحقيقي وعماد الأسرة التي يستند عليه الأبناء يبذل عمره كله من أجل راحتهم وسعادتهم، وهو الغطاء الخارجي الذي يحميهم من مصاعب الحياة، فالأب وجوده بين أسرته أمان لهم، وضحكته حياة، وصوته حماية، وغضبه وقسوته حب وخوف عليهم، وهو نعمة لا يدركها إلا فاقدها، ويغفل الكثير من الأبناء عن بر أبائهم في زمن الفتنة بالدنيا والانشغال بالملذات.
قصتنا اليوم تحكى عن أب بذل حياته كلها من أجل راحة ابنه الوحيد وزوجته، كان لهم بمثابة المصباح السحري الذي يحقق لهم كل أحلامهم وطلباتهم فقط ليرى الابتسامة والسعادة على وجههم، قضى حياته كلها في العمل الشاق والسفر في كل مكان ليجمع الأموال اللازمة التي تساعده على تحقيق متطلبات أسرته والتي تؤمن لابنه مستقبله وتحفظه من غدر الزمان، عندما يرحل هو عن الدنيا ويفارق الحياة.
ولأن لكل شيئ نهاية تعرض الأب لأزمة صحية صعبة أرقدته الفراش وأبعدته عن العمل، وعرضه ابنه وزوجته على الكثير من الأطباء من أجل علاجه، وكانت الصدمة عندما علموا أنه يعاني من تليف في الكبد في مرحلة صعبة، وأنه لا يوجد علاج لهذا المرض، وأن الحل الوحيد لإنقاذه من الموت هو إجراء عملية جراحية لزراعة الكبد، والتي ستتكلف مبلغًا كبيرًا، ولكن ليست هذه الأزمة خاصة وأن الأسرة كانت ميسورة الحال وتمتلك المال اللازم للعملية ولكن الأزمة كانت في إيجاد متبرع يوافق أن يتبرع بـ جزء من الكبد للأب المريض وانقاذه من الموت.
قضى الأب عدة أيام داخل المستشفى يصارع آلام مرضه، بجواره زوجته وابنه ينتظران أن يدخل عليهم الطبيب ليزف إليهم البشرى المنتظرة بالتوصل إلى متبرع وافق على التبرع بجزء من الكبد إليه، ولكن لم يحدث ذلك، وبدأ اليأس يتسرب إلى أفراد الأسرة جميعًا وحتى الوالد الذي أدرك أنها ستكون النهاية وأنه سيرحل عن الدنيا ويترك أسرته دون سند.
وبينما الأب يرقد على سريره في المستشفى خرجت الأم لتبحث عن ابنها والذي لم يحضر إليها صباحًا كعادته للإطمئنان على صحة والده، وتوجهت نحو الهاتف من أجل الاتصال به في المنزل حتى تعرف السبب الذي منعه من زيارة والده المريض، ولكن لم يجيب أحدًا على الهاتف ليبدأ القلق يتسرب إلى قلبها بسبب غياب ابنها غير المبرر، وقامت بالاتصال بأحد جيرانها وسألته عن الابن وطلبت منه الذهاب إلى الشقة ليطمئن عليه ولكنه عاد إليه بخبر صادم أن لا أحد يوجد بالمنزل.
صدمة اختفاء الإبن المفاجئ، جعلت الأم تترك المستشفى وتتوجه مسرعة إلى المنزل لعل تجد هناك ما يدلها على مكان ابنها، ودخلت الشقة وبدأت البحث في غرفة الابن ولكنها وجدت جزء من ملابسه غير موجود لتتأكد أنه رحل بنفسه ولم يتعرض إلى أذى ولكن إلي أين رحل؟ وهنا وجدت ورقة بجوار الهاتف من ابنها مكتوب عليها "أمى لم أتحمل أن أرى أبي يفارق الحياة وهو لنا السند والعون ولا نملك ما ننقذ به حياته.. سأعود قريبًا وإذا لم يحدث ذلك أرجوكي سامحيني أنني رحلت وتركتك وحيدة"، جن جنون الأم من تصرف ابنها ولكنها لا تملك أي شيئًا تفعله سوى الانتظار بجانب الأب المريض.
وبينما الأم حزينة بعد اختفاء الابن ومرض الأب الذي ينهش فيه كل لحظة، دخل عليها الطبيب يحمل خبرًا سارًا بعدما وجدوا متبرع وافق على التبرع بجزء من الكبد إلى زوجها، هنا تهلل وجهة المرأة وبدأ الأمل يعود إليه مجددًا بأنها لن تفقد سندها في الحياة، وطلبت من الطبيب أن تذهب للمتبرع وتشكره وتقدم له المبلغ المالي المتفق عليه لكن المفاجأة أن الدكتور أخبرها بأنه لا يرغب أن يعلم أحدًا هويته ، وأنه يرفض الحصول على مقابل مالي نظير عمله الانساني وهنا أصيبت السيدة بدهشة كبيرة من هذا التصرف النبيل والذي قلما نجدها في الدنيا.
يوم العملية دخل الأب غرفة العمليات وحيدًا تحيطه دعوات زوجته له بالشفاء والعودة لها سالمًا، ولم تفقد المرأة حتى آخر لحظة عودة ابنتها ليكون بجانب والده في هذه اللحظات الصعبة ولكن ذلك لم يحدث، وبعد عدة ساعات خرج إليها الطب مسرورًا يخبرها بأن العملية نجحت وأنه سيتم نقل زوجها إلى العناية المركزة حتى استقرار حالته الصحية قبل نقله إلى غرفته، وبسؤاله عن حالة المتبرع أكد لها أنه بخير أيضًا.
وبعد مرور عدة أيام وتحسن حالة الأب الصحية وأثناء تناوله الطعام بغرفته في المستشفى، وتجلس بجواره الأم سألها السؤال المعتاد عن ابنه والذي لم يراه منذ خروجه من غرفة العمليات وكانت كل مرة تختلق سببًا وهميًا لغيابه ولكن هذه المرة كانت قد نفذت الحجج والأسباب وما أن لبثت أن تخبره باختفاء الابن وتركه وحيدًا في المستشفى اذ بأحد يطرق الباب وعندما أذنت له بالدخول وما رآته أصابها بصدمة لم يصدقها عقلها، حيث وجدت ابنها مرتديًا ملابس المستشفى ومعه احدى الممرضات يستند عليها وبينما الحيرة أصابت الأم، إذ بالممرضة تخبرها بأنه "المتبرع" بالكبد وطلب من الطبيب ألا يخبرهما بذلك حتى لا يرفضان.
والعبرة من هذه القصة أن الابن لم يتأخر لحظة ليضحي بحياته من أجل انقاذ والده الذي طالما بذل من أجل الكثير ليحيى سعيدًا في هذه الحياة...
Content created and supplied by: alaa_taha20 (via Opera News )
تعليقات