أسرة بسيطة الوضع والحال، مكونة من شاب بالجامعة وأب وأم، كان الأب والأم شبه منعزلان عن الدنيا، فعلاقاتهما الاجتماعية ضعيفة للغاية، ودوائر الأهل والأقارب والجيران والمعارف ضيقة، وكانا يقضيان مظم وقتهما في الحديث سوياً.
بعكس الإبن، الذي لم يكت عاقاً بهماً، بل كان متمرداً على حالهم، رافضاً لعزلتهم، فكان لا يشعر بأن عالمه هو عالم والديه، حانق على تفكيرهم الذي يرى أنه عفا عليه الزمن.
وكان البيت أشبه بالسجن، الإبن منعزل عن والديه، والأب بعدما خرج على المعاش أصبح ملازم البيت، لا صديق له إلا زوجته، وهي بدورها كانت أنيسته، وكان يقضي معها وقت أكثر من ذلك الذي يقضيه على تليفونه الخاص من خلال أكونته على الفيس.
وفي يوم غيب الموت الأب، غيابه لم يكن مؤثراً على إبنه أو أي من أقاربه وجيرانه، لكنه كان محطماً للأم، لم تصدق موته، ولم تتجاوز رحيله، وخاصة أن الإبن لم يعوض مكانه، وظل بعيداً في عالمه المشوش بالأصدقاء والدراسة وأحياناً العمل.
زاد إنعزال الأم بشكل مقلق، وجهها شاحب، وتركيزها منعدم، ورغبتها في الإستمرار تتراجع، إلى أن جاء الإبن بحيلة قد تنقذ أمه مما هي فيه، قام الإبن بإنشاء حساب لها على مواقع التواصل الإجتماعي، وظل يعلمها استخدام تليفون أبيه المتوفي لعل هذا يكون ملهي لها مما هي فيه.
تفاجأ الإبن بسلوك الأم، فقد نجحت خطته، فالأم ما تلبث أن تستيقظ من نومها إلى وتمسك بتليفونها، وأصبحت أكثر أشرقاً، إلا أن سلوكها هذا كان غير مفهوم للإبن، فكثيراً ما تبتسم وهي تمسك التليفون، فياترى مع من تتراسل، وهي لا تعرف أحد.
وبدون أي مقدمات لحقت الأم بالأب، وعاد الإبن عودة المنكسر، فشلت خطته للإحتفاظ بأمه، وأصبح البيت بلا روح، أصبح موحش، فلا صوت لهما، ولا نفس، ولا يوجد من متاعهما سوى ذلك التليفون، الذي لم يكن سره.
بيدين مرتعشتين أمسك به، وبصدر ضيق وبداً يتفحصه، إلى أن وجد مالايتوقعه، فالأم كانت تدخل على حساب زوجها المتوفي وتحدثه دون رد، تحكي له كيف كان يومها، وفي آخر يوم لها حدثته حتى الفجر، أكدت له أنها لا تطيق العيش بدونه، ولا سبب يجعلها تتمسك بالبقاء إلا بسبب خوفها على نجله، وأنها لا تتنمى أكثر من الرحيل وهي مطمئنة عليه.
لم يصدق الولد ما قرأ، امتلأ صدره بالضيق والإختناق، شعر بألم الفراق مرة واحدة، وشعر بذنب معاملته لهما رغم حبهما، إلا أن القدر لا عودة فيه، أمسك الولد بالتليفون، وكتب لوالدته الراحلة: " أمي وأبي، أفتقدما أكثر مما تتوقعان، سامحوني، وأود أن أكون الولد الصالح الذي تتفاخران به، إلى لقاء قريب".
Content created and supplied by: TaaMo (via Opera News )
تعليقات
GUEST_YW3L67YaW
02-13 20:40:57الله يرحم امواتنا
GUEST_ZXdXq4gdm
02-13 21:01:48قصة رائعة❤