الأسرة هي المفهوم الراسخ في الأذهان عن الإستقرار والسكينة والمودة والرحمة وخاصة إذا كان يوجد تفاهم بين الأب والأم ويعرفون كيف يصاحبون أولادهم في كل مراحل عمرهم المختلفة، فحينها فقط تتكون أسرة ناجحة تثمر أولاد صالحين.
بإحدي قرى الصعيد نشأت وتربيت بين عائلة ميسورة الحال، كنا ثلاث بنات وولد وكنت أما أكبر أخوتي ويصغرني بنتان وولد كان هو أخر العنقود وله النصيب الأكبر من كل شيء بحكم المجتمع المصري وخاصة الصعيدي الذي يميز الذكور عن الإناث.
كأن أبي يعمل بالتجارة وأمي ربة منزل تقوم علي خدمتنا ورعايتنا والاهتمام بنا، وكانت دائما تغمرنا بمشاعرها الجميلة الفياضة وتحبنا كلنا مثل بعض ولا تفرق في المعاملة بيننا ما بين بنت أو ولد فكلنا أبناءها وفلذة كبدها.
ولكن أبي كان يميز أخي الصغير في المعاملة فكان يحبه ويداعبه ويمرح معه ويأخده معه إلي كل مكان يذهب إليه، أما أنا وأخواتي البنات فلم يكن يتحدث معنا إلا إذا أراد شيئاً أو كان له طلب معين، وكنا نشتكي لأمي كثيراً فكانت تقول لنا أنه يحبنا كثيراً ولكنه لا يستطيع التعبير عن مشاعره، كما أنه لا يستطع اصطحابكم معه مثل أخيكم.
كان حديث أمي يصبرنا إلي حد ما وحبها وحنانها كان كافياً لتعويضنا، والشئ الذي جعلنا نحقد عليه أكثر هو أنه لم يجعلنا نكمل تعليمنا بل أخرجنا من المدرسة بحجة "البنت ملهاش غير بيتها وجوزها في النهاية"، ولكنه كان يعلم أخي ودائما كان يقول لأبد أن يتعلم فهذا سندي الذي أفتخر به.
كنت أنا أكره أخي بسبب تميزه عنا في كل شيء وكأننا عار على الحياة ولا جود لنا فهو كل شيء بينما نحن مجرد هواء متطاير بالنسبة له.
وذات يوم جاءت اللحظة التي جعلتني أكره أبي وأحقد عليه أكثر من أي يوم أخر، فقد تقدم إبن عمي لخطبتي ولكني لم أكن أشعر تجاهه بأي شعور ولا حتي مشاعر أخوة بل كنت أمقته فكان إنسان ثقيل الدم، سمج وغليظ كما إنه كان إنسان بدين ولا يتقبله أحد فكيف لي أن أصبح زوجة وأكمل حياتي مع هذا الشخص؟!
وكان أبي مصمم أن أتزوجه بحجة أخرى "البنت متخرجش برا العيلة ودي عاداتنا"، وبالرغم من أن كان تخبره أن لا أريد كان يقول لها "معندناش بنات تقول رأيها أنا أختار وهي تتجوز"، وذات ليلة استجمعت شجاعتي لأول مرة ودخلت على أبي وأخبره أنني لن أتزوج من هذا الشخص وحينها قام أبي والشرار يكاد يخرج من عينيه فلطمني على وجهي فسقطت على الأرض، والدم يتناثر من بين شفتي، فأخذتني أمي من أمامه بسرعة وتركنا الغرفة.
لم أنم في هذه الليلة بل مكثت أفكر طوال الليل كيف سأنتقم من أبي وكيف سأحرق قبله فيما يريد أن يفعله بي وروادتني أفكار شيطانية أن أقتله ولكنه سيموت وأنا أريد أن أحرق قلبه مثلما فعل بي، وحينها فكرت في أكثر شيء يحبه وهو أخي الصغير فقررت أن أقتله إنتقاماً من أبي فهذا الشيء الذي سيدمره.
وباليوم التالي أحضرت طعاماً يحبه أخي ووضعت به سماً، في البداية كنت أتردد في فعل هذا الأمر ولكن تملكتني فكرة الإنتقام من أبي، فأعطيته الطعام وبعد أن تناوله ظل يتلقب يميناً ويساراً ويصرخ بألم في معدته وبسرعة نقلوه إلي المستشفي ولكن قبل أن يصل كان قد مات وظهر أن سبب الوفاة طعام سام تناوله.
وحينها رأيت أبي منكسراً ذليلاً لأول مرة فقد انفطر قلبه على فراق أخي، وعندما تم السؤال عن من أعطي للطفل هذا الطعام فلم أرد ولم يعرف أحد لأنني حرصت ألا يراني أحد في المكان عندما قدمت له الطعام.
وبعد مرور أسبوع كان أبي يٰشفق على حالته حيث أنه شبه فقد صوابه وأصبح جالساً في مكان بمفرده ذليل لا يقابل أحد ولا يفعل شيء سوى أنه يبكي ويتحدث مع نفسه ويكلم أخي الصغير كأنه مازال موجوداً أمامه.
وذات ليلة دخلت عليه وأخبرته أنني من فعلت هذا بأخي لكي أنتقم منه وأحرق قلبه مثلما فعل بي كنت أقول له هذا والإبتسامة ترتسم على وجهي وأنا أراه في هذه الحالة.
وهنا جهز الأب على إبنته وظل يخنق فيها حتى لفظت أنفاسها بين يديه، فهي من حرمته من أغلي شيء في حياته وجعلته يشعر بالخزي والعار لعدم امتلاكه ولد وأصبح "أبو البنات" فقط ولا أولاد لديه.
بعد أنا أفاق الأب من فعلته وجد أن إبنته قد ماتت هي الأخرى فاحتضنها بشدة وظل يبكي وينتحب ويصرخ بقوة لتدخل عليه زوجته وتجد إبنته بين أحضانه وقد فارقت الحياة.
وهنا تعالت صرخات الأم ليمتلئ المنزل بالناس ويتم إلقاء القبض على الأب والتحقيق معه.
هذا الأب كان السبب في إنهاء حياة أبناءه بسبب سوء معاملة بناته والتفرقة بينهم بل وإجبار إحداهن على الزواج حتى جعلها تحقد عليه وتنتقم منه وفي النهاية خسرت حياتها وخسر هو أبنائه.
Content created and supplied by: RandaMahmoud (via Opera News )
تعليقات