نناقش اليوم عبر هذا المقال الديني مسألة طالما ظلت مصدر جدل واسع النطاق سواء بين آئمة المسلمين أو حتى فقهاء هذا العصر وما قبله؛ إنها تلك المسألة التي تتعلق بجواز مسح الشراب أثناء الوضوء دون أن يتم نزعهما، والإجابة بإختصار بأنه يجوز المسح على الشرَّاب إذا كان ساتر للرجل أي يجاوز أعلى الكعبين حتى يغطي العظمتين البارزتين أعلى الكعب؛ إذ يجوز المسح عليه في هذه الحالة، إذا تم ارتدائهما على طهارة بعد القيام بالوضوء قبل الارتداء لتلك الشراب، فلا حرج في ذلك، والنبي ﷺ مسح على الجوربين والنعلين، وثبت عنه ذلك -عليه الصلاة والسلام-، وثبت عن جماعةٍ من الصحابة من أصحاب النبي ﷺ أنهم كانوا يمسحون على الجوارب.
كلمة خُفُّ هي جمع ومفردها خِفاف، والخفُّ الذي يصحُّ المسح عليه هو الذي يرتديه الإنسان في قدمه بغض النظر مما صُنع كالصوف أو الوبر أو الجلد أو غيرهم، حتى يصل إلى الكعبين (والكعب هو العظمة البارزة في القدم)، وأمّا الجورب الذي يصحُّ المسح عليه فهو حاملٌ لهذه المواصفات إلا أنه لا يكون من الجلد، والجوارب هي الشراب من القطن أو الصوف ونحو ذلك، أما الخُف فهو من الجلد، والنبي مسح على خفيه - عليه الصلاة والسلام – ومسح على الجوربين أيضاً، فلا حرج في ذلك، ومن قال أنه لا يمسح إلا على الخف فقط من الجلد فهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أنه يمسح على الجلد وعلى الجورب الذي هو الشراب من القطن أو من الصوف إذا كان ساتراً للقدمين، وإذا كان لبسهما على طهارة فإنه يمسح يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر بعد الحدث، هذا هو المشروع وبذلك تعلم أن مسحه لا حرج فيه، وأن صلاته صحيحة، وأن قول من قال أن المسح يكون بالخف الذي هو من الجلد ليس بجيد.
وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع: وأما بيان ما ينقض المسح، وبيان حكمه إذا انتقض، فالمسح ينتقض بأشياء (منها) انقضاء مدة المسح، وهي يوم وليلة في حق المقيم، وفي حق المسافر ثلاثة أيام ولياليها. (ومنها) نزع الخفين، لأنه إذا نزعهما فقد سرى الحدث السابق إلى القدمين.
فقد استدل فقهاء الحنابلة -وهم القائلون باشتراط كون الجوربين صفيقين، وضبطوا ذلك بإمكان متابعة المشي فيهما- بأن المعنى الذي لأجله أبيح المسح على الخفين كون الحاجة داعية إلى لبسهما للمشي فيهما، فما كان بمعناهما كالجوربين الصفيقين يلحق بهما، وما لم يكن كذلك، فلا تتعلق به الحاجة، ومن ثم فلا يمسح عليه، وقد قال في حاشية الروض: "لأن ما لا يمكن متابعة المشي عليه لا تدعو الحاجة إليه فلم تتعلق به الرخصة."
وبين شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة دليل الحنابلة على مذهبهم فقال ما عبارته: أَنْ يُمْكِنَ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ. لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ بِلَالٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.
وقد قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُوقُ "الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ" وَالْمُوقُ إِنَّمَا يُلْبَسُ غَالِبًا فَوْقَ الْخُفِّ، وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
كَانَ الْمَسْحُ عَلَى ذَلِكَ مُنْتَشِراً فِي الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ، قَالَ أَحْمَدُ: "يُذْكَرُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ سَبْعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ" وَجَوْرَبُ الْخِرَقِ كَجَوْرَبِ الصُّوفِ إِذَا كَانَ صَفِيقًا حَيْثُ يُمْشَى فِي مِثْلِهِ عَادَةً، ولكن في حال أن يكون هذا الجورب رقيق أو شفاف أو لا يغطي فوق الكعبين ؛ فلا يجوز المسح عليه أثناء تجديد الوضوء؛ لِأَنَّ فِي مِثْلِهِ لَا يمكن للشحص أن يمشي عليه في الطرقات ومن ثم يفتقد لمبدأ من مبادئ الجوراب المنصوص عليها، وقد أكد فضيلة الشيخ علي جمعة أن ما يجوز تشبيهه بالجوارب إلى أقرب حد فهو حذاء البيادة التي يرتديها الجنود أثناء الحروب أو تلك الأحذية التي لها رقبة أو ما تسمى بأحذية البوت، وأضاف الشيخ علي جمعة أنه يمكن كذلك تأدية الصلاة دون أن ينزعهم المصلي لتوافر شروط الجورب بهم، ونهى عن ارتداء الأحذية العادية التي لا تغطي ما فوق الكعبين أو حتى الوضوء عليهما والمسح دون نزعهما، وَذُكر عن الإمام أَحْمَدُ بن حنبل أنه قال: "يُذْكَرُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ."
المصدر:
فيديو رسمي من قناة دار الإفتاء المصرية على اليوتيوب
https://youtu.be/qkM4FAUseRc
فيديو لفضيلة الشيخ المبجل/ على جمعة .. مفتي الديار المصرية سابقاً
https://youtu.be/9F06rNQ6s7c
Content created and supplied by: AhmedGamalio (via Opera News )
تعليقات
جمالامينعب
02-06 13:27:26خطأ غير مقصود أكيد، ارجو تصحيح أن خف جمع ومفردها خفاف