الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين أمَّا بعد لقد حثَّنا النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، قبل الفوات، وحثَّنا على الاستعداد للآخرة، وعدم الاغترار بالدنيا. فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" .
لقد جعل الله سبحانه وتعالى الدنيا دار عبور لا دار مقر، وجعل الآخرة هي الحياة الباقية وهي دار البقاء والاستقرار، وقد ورد الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن الحياة الدنيا وضرورة عدم التمسك بها، وضرورة العمل للآخرة.
وقد قال عز وجل "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"، والمتاع هو الشيء الذي يتمتع به صاحبه بعض الوقت ثم يفنى، وكان ذلك الفناء هو عيب الدنيا الأكبر الذي ذُمت به كثيرًا.
تشبيه الدنيا بالعجوز الشمطاء
لقد حذر القرآن والرسول الكريم من الدنيا وعدم الإنقياد خلف شهواتها، وقد جاء في ذلك قوله عز وجل في سورة الكهف "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ".
وقد قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم "عجبا لمن رأى الدنيا وسرعة تقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها"، وقال أيضًا "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"، وفي ذلك بيان لسوء الدنيا وأنها دار من لا دار له كما قال نبينا الكريم.
وقد رُوى أن عيسى ابن مريم عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة، فقال لها كم تزوجت؟ قالت لا أحصيهم، قال: فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت، فقال عيسى عليه السلام: " بؤسا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين؟!".
وروي أن ابن عباس قال: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوهة خلقها، فتشرف على الخلائق، فيقال لهم أتعرفون هذه؟ فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه، فيقال هذه الدنيا التي تناحرتم عليها، بها تقاطعتم الأرحام، وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم، ثم تقذف في جهنم، فتنادي يا رب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول الله عز وجل ألحقوا بها أتباعها وأشياعها.
ومن هنا فإن العجوز الشمطاء هي الدنيا التي نحياها الآن ونغتر بها ونجري خلفها، وهي كذلك التي حذرنا منها رسولنا الكريم، ونهانا القرآن العظيم عن الاهتمام بها ونسيان الآخرة، حتى لا نندم في النهاية وقت لا ينفع الندم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: الدنيا والآخرة هما ضرتان إذا ملت إلى إحداهما أغضبت الأخرى ، فلا بد أن يُعادل المسلم بين دنياه وآخرته، فيأخذ من الدنيا ما يُعينه على طاعةِ الله، وعلى الفوزِ في الآخرة، هذا هو المُسلم المُعتدل الذي انتفع من دنُياه وآخرته، قال الله سبحانه وتعالى في ما ذكره عنَّ من نصحوا لقارون لمَّا أتاه الله الثروة العظيمة نصحوه: ( قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) أيَّ: لا تفرح فرحا أشرٍ وبطنٍ وكبر فيما أعطاك الله من هذا المال: ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ) بأنَّ تستعين به على العمل الصالح وطلب الآخرة، أنَّ تُنفق منَّه على المحتاجين والمُعسرين وفي سبيل الله عز وجل ولا تحرم نفسك من الدنيا، فإنَّ هذا مذموم ولا تنس نصيبك من الدنيا كما قال الله سبحانه وتعالى: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
وفى الختام نصلى ونسلم على النبى العدنان حبيب الرحمن المؤيد بالقرآن رسول الإسلام شفيع الخلائق يوم القيام محمد عليه الصلاة والسلام.
المصادر:
Content created and supplied by: hassan90 (via Opera News )
تعليقات
hassan90
02-12 21:04:03احسنت