لا يخفى على أحد أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المنزل على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وقد أمرنا الله أن نتدبر آيات القرآن وفهم معانيه حتى نستطيع أن نتوجه الاتجاه الصحيح في طاعة الله عز وجل، لذلك في هذا المقال أعرض لكم من هم الأعراب الذي ذكرهم الله في كتابه "الأعراب أشد كفراً ونفاقا" :
وجاء في التفسير الميسر :
"الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا" الأعراب سكان البادية أشد كفراً ونفاقاً من أهل الحاضرة، وذلك لجفائهم وقسوة قلوبهم وبُعدهم عن العلم والعلماء، ومجالس الوعظ والذكر، فهم لذلك أحق بأن لا يعلموا حدود الدين، وما أنزل الله من الشرائع والأحكام. والله عليم بحال هؤلاء جميعًا، حكيم في تدبيره لأمور عباده.
وجاء في تفسير السعدى :
" الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا" الأعراب وهم سكان البادية والبراري "أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا" من الحاضرة الذين فيهم كفر ونفاق، وذلك لأسباب كثيرة: منها: أنهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والأعمال والأحكام، فهم أحرى "وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ" من أصول الإيمان وأحكام الأوامر والنواهي، بخلاف الحاضرة، فإنهم أقرب لأن يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله، فيحدث لهم بسبب هذا العلم تصورات حسنة، وإرادات للخير، الذي يعلمون، ما لا يكون في البادية.
وفيهم من لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية، ويجالسون أهل الإيمان، ويخالطونهم أكثر من أهل البادية، فلذلك كانوا أحرى للخير من أهل البادية، وإن كان في البادية والحاضرة، كفار ومنافقون، ففي البادية أشد وأغلظ مما في الحاضرة. ومن ذلك أن الأعراب أحرص على الأموال، وأشح فيها.
وجاء في تفسير الوسيط لطنطاوي :
" الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا" بعد الحديث الطويل عن النفاق والمنافقين ، أخذت السورة الكريمة ، فى الحديث عن طوائف أخرى منها الصالح ، ومنها غير الصالح ، وقد بدأت بالحديث عن الأعراب سكان البادية ، قال صاحب المنار : قوله ، سبحانه : " الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً " بيان مستأنف لحال سكان البادية من المنافقين ، لأنه مما يسأل عنه بعد ما تقدم فى منافقى الحضر من سكان المدينة وغيرها من القرى .
والأعراب : اسم جنس لبدو العرب ، واحد: أعرابى ، والأنثى أعرابية ، والجمع أعاريب ، والعرب : اسم جنس لهذا الجيل الذى ينطق بهذه اللغة ، بدوه وحضره ، واحده : عربى، والمراد بالأعراب هنا : جنسهم لا كل واحد منهم ، بدليل أن الله تعالى، قد ذم من يستحق الذم منهم ، ومدح من يستحق المدح منهم ، فالآية الكريمة من باب وصف الجنس بوصف بعض أفراده .
وقد بدأ الله سبحانه ، بذكر المنافقين من الأعراب قبل المؤمنين منهم ، إلحاقا لهم بمنافقى المدينة الذين تحدثت السورة عنهم قبل ذلك مباشرة حديثاً مستفيضاً ، وبهذا الترتيب الحكيم تكون السورة الكريمة قد واصلت الحديث عن منافقى الحضر والبدو والمعنى أن " الأعراب " من سكان البادية " أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً" من الكفار والمنافقين الذين يسكنون الحضر والقرى، وذلك ، لأن ظروف حياتهم البدوية ، وما يصاحبها من عزلة وكفر فى الصحراء ، وخشونة فى الحياة، كل ذلك جعلهم أقسى قلوباً ، وأجفى قولا ، وأغلظ طبعا ، وأبعد عن سماع ما يهدى نفوسهم إلى الخير من غيرهم سكان المدن.
والمعنى : الأعراب أشد كفرا ونفاقا من أهل الحضر الكفار والمنافقين ، وهم كذلك أحق وأخلق من أهل الحضر بأن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، بسبب ابتعادهم عن مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم مشاهدتهم لما ينزل عليه، صلى الله عليه وسلم ، من شرائع وأداب وأحكام، هذا ، وقد ذكر المفسرون هنا أمثلة متعدد لجفاء الأعراب وجهلهم ، ومن ذلك قول الإِمام ابن كثير :
قال الأعمش عن إبراهيم قال : جلس أعرابي إلى زيد بن صومان ، وهو يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم " نهاوند " فقال الأعرابى : والله إن حديثك ليعجبنى وإن يدك لتريبنى!! فقال زيد : وما يريبك من يدي؟ إنها الشمال!! فقال الأعرابي : والله ما أدرى اليمين يقطعون أو الشماء!! فقال زيد : صدق الله إذ يقول : ( الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله على رَسُولِهِ ) .
وروى الأَمام عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن "، وورى الإِمام مسلم " عن عائشة قال : قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتقبلون صبيانكم؟ فقال صلى الله عليه وسلم ؛ نعم فقالوا : لكنا والله ما نقبل !! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة ".
وجاء في تفسير البغوي :
"الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا" :" الأعراب" أي : أهل البدو ، "أشد كفرا ونفاقا" من أهل الحضر ، "وأجدر" أخلق وأحرى ، " ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله" وذلك لبعدهم عن سماع القرآن ومعرفة السنن ،" والله عليم " بما في قلوب خلقه "حكيم "فيما فرض من فرائضه .
وجاء في تفسير ابن كثير :
" الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا " أخبر الله تعالى أن في الأعراب كفاراً ومنافقين ومؤمنين ، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد ، وأجدر ، أي : أحرى ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، كما قال الأعمش عن إبراهيم قال : جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوند ، فقال الأعرابي : والله إن حديثك ليعجبني ، وإن يدك لتريبني فقال زيد : ما يريبك من يدي ؟ إنها الشمال . فقال الأعرابي : والله ما أدري ، اليمين يقطعون أو الشمال ؟ فقال زيد بن صوحان صدق الله إذ قال " الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله".
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن أبي موسى ، عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن "، ورواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن سفيان الثوري ، به وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث الثوري .
ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولا وإنما كانت البعثة من أهل القرى ، كما قال تعالى :" وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى"، ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه أضعافها حتى رضي ، قال : " لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي ، أو ثقفي أو أنصاري ، أو دوسي " ؛ لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن : مكة ، والطائف ، والمدينة ، واليمن ، فهم ألطف أخلاقا من الأعراب : لما في طباع الأعراب من الجفاء .
حديث [ الأعرابي ] في تقبيل الولد : قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة وابن نمير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتقبلون صبيانكم ؟ قالوا : نعم . قالوا : ولكنا والله ما نقبل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة ؟ " . وقال ابن نمير : " من قلبك الرحمة "
وجاء في تفسير القرطبي :
"الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا" قوله تعالى الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم، قوله تعالى الأعراب أشد كفرا ونفاقا فيه مسألتان : الأولى : لما ذكر جل وعز أحوال المنافقين بالمدينة ذكر من كان خارجا منها ونائيا عنها من الأعراب؛ فقال كفرهم أشد، قال قتادة : لأنهم أبعد عن معرفة السنن، وقيل : لأنهم أقسى قلبا وأجفى قولا وأغلظ طبعا وأبعد عن سماع التنزيل، والعرب : جيل من الناس ، والنسبة إليهم عربي بين العروبة ، وهم أهل الأمصار . والأعراب منهم سكان البادية خاصة .
وجاء في تفسير ابن عاشور:
"الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا" تنبيه المسلمين لأحوال الأعراب لأنهم لبعدهم عن الاحتكاك بهم والمخالطة معهم قد تخفى عليهم أحوالهم ويظنون بجميعهم خيراً، وازديادهم في الكفر والنفاق هو بالنسبة لكفار ومنافقي المدينة، ومنافقوهم أشد نفاقاً من منافقي المدينة، وهذا الازدياد راجع إلى تمكن الوصفين من نفوسهم ، أي كفرهم أمكن في النفوس من كفر كفار المدينة ، ونفاقهم أمكن من نفوسهم كذلك ، أي أمكن في جانب الكفر منه والبعدِ عن الإقلاع عنه وظهور بوادر الشر منهم ، وذلك أن غلظ القلوب وجلافة الطبع تزيد النفوس السيئة وحشة ونفوراً .
ألا تعلم أن ذا الخويصرة التميمي ، وكان يدعى الإسلام ، لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الأقرع بن حابس ومن معه من صناديد العرب من ذهب قَسمَه قال ذو الخويصرة مواجهاً النبي صلى الله عليه وسلم "اعدل" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ويحك ومَن يعدل إن لم أعْدِل "، فإن الأعراب لنشأتهم في البادية كانوا بعداء عن مخالطة أهل العقول المستقيمة وكانت أذهانهم أبعد عن معرفة الحقائق وأملأ بالأوهام ، وهُم لبعدهم عن مشاهدة أنوار النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وآدابه وعن تلقي الهدى صباحَ مساءَ أجهلُ بأمور الديانة وما به تهذيب النفوس.
وهم لتوارثهم أخلاق أسلافهم وبعدهم عن التطورات المدنية التي تؤثّر سُمّوا في النفوس البشرية ، وإتقاناً في وضع الأشياء في مواضعها ، وحكمة تقليدية تتدرج بالأزمان ، يكونون أقرب سيرة بالتوحش وأكثر غلظة في المعاملة وأضيع للتراث العلمي والخلقي؛ ولذلك قال عثمان لأبي ذرّ لما عزم على سكنى الربذة : تَعَهَّد المدينةَ كيلا ترتَدَّ أعرابياً .
المصدر :
https://www.quran7m.com/searchResults/009097.html
https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura9-aya97.html#
https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura9-aya97.html#
Content created and supplied by: أسراءأحمد (via Opera News )
تعليقات