كتب : معاوية الذهبي .
في الثاني عشر من ديسمبر عام 1928 خرجت حشود السورين، وسارت دمشق بآلافها في جنازة مهيبة، المشكلة الوحيدة كانت أن أحداً لا يستطيع تحديد دين المتوفى، فنحو خمسين ألف مسلم وآلاف المسيحيين، بينهم كبار رجال الدين من هنا ومن هناك، كلهم ساروا خلف نعشٍ واحد، بعضهم يُكبر ويقرأ القرآن، بعضهم يتلو صلاته من الإنجيل، وأطلقت المدافع عشرات الطلقات تحية للراحل، فيما رافق الموكب الجنائزي مئة فارس أرسلهم الملك فيصل، وكان الراحل يُعرف بأسماء وألقاب كثيرة منها "أبو الفقراء والمُسلمين"،"محمد جريجوريوس"،لكنها لشخص واحد هو البطريرك جريجوريوس حداد، الذي قبَّل الملك فيصل يده وبكا، هو الذي باع صليباً من الذهبي ليطعم المسلمين أيام المجاعة، فأراد المسلمون الصلاة عليه في الجامع الأموي لقرب مناقبه من الإسلام، على حين قدسه بعض المسيحيين .
جريجوريوس وفيصل .
في زمن الحكم العثماني بقرية عبية بمتصرفية جبل لبنان، ولد غنطوس بن جرجس الحداد مطلع يولو عام 1859، درس في المدرسة البروتستانتية الأمريكية ببيروت ثم بالمدرسة الإكليريكية، وأتقن اللغتين العربية واليونانية، وألم بالروسية والتركية، وتجه غنطوس إلى الحياة الرهبانية عام 1877 متخذاً اسم جريجوريوس، وتدرج بالمناصب الدينية حتى بات بطريركاً لأنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرتوذوكس عام 1906 .
أعلن تأيده للأمير فيصل بن الحسين عند توليه حكم سوريا عقب طرد القوات العثمانية بعد خسارة معركة ميسلون عام 1920، وكان من بين القلائل الذين خرجوا لوداع فيصل، وكانت أخر كلماته لفيصل قبل رحيله" إن هذه اليد التي عاهدتك ستبقى على العهد إلى الأبد"، فما كان من الملك فيصل سوى أن قبَّلها باكياً،
أيد جريجوريوس مطالب المؤتمر السوري العام الأول بوحدة أراضي سوريا، واشتهر بموقفه الرافض للانتداب أمام لجنة كينج كراين الأمريكية ، وشاب التوتر علاقاته مع سلطات الانتداب الفرنسي ما جعل فرنسا تُضيق عليه وتضعه تحت الإقامة الجبرية في كثير من مراحل حياته .
جريجوريوس والمجاعة .
ساند جريجوريوس سكان الشام خلال مجاعة سفر برلك أثناء حكم العثمانيين، عندما استفحلت المجاعة بالبلاد أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1914 و1918، باب المقر البطريركي بالكنيسة المريمية بقي مفتوحاً امام كل محتاج من كل الطوائف بأوامر صارمة من جريجوريوس، الذي استدان أكثر من عشرين ألف ليرة ذهبية لإطعام الفقراء، كما اضطر إلى باع صليب ذهبي، كان قد أهداه إليه قيصر روسيا، لتغطية النفقات .
وهن أيضاً أوقاف البطريركية والأديرة كلها للاستدانة، وباع مُقتنيات الكنائس وأوانيها الذهبية والفضية، التي تحكي تراث البطريركية حتى خسرت البطريركية الأرثذوكسية كل ممتلكاتها مع نهاية المجاعة .
بكاء في حضرة القرآن .
كانت قصص المطران جريجوريوس مع المسلمون كثيرة، إحداها عندما رأى من نافذة مكتبه أحد رجال الكنيسة يدفع رجلاً جاء سائلاً رغيفا، حيث استدعى رجل الكنيسة وطلب منه إحضار رغيف خبر، وقال له "انظر إلى الرغيف، هل كُتب عليه اسم مَن سيأكله؟، أعطه إلى كل مُحتاج يأتي إلى البطريركية" .
وفي قصة أخرى التقى البطريرك خلل المجاعة بنساء مُسلمات، فشكون الجوع له قائلات "نريد خبرأص يا أبا المساكين"، فعاد إلى أدراج البطريركية وأمر بأن توزع عليهن المؤن، ولما جاءه طباخ البطريركية عارضاً إعداد بيضتين مقليتين بالسمن مع رغيف قال "لا يليق بي أن أكل وغير يتضرر جوعاً"
وعندما أتاه الشيخ محمد شميسم يشكو أحد رعيته بدين، طلب جريجوريوس من الشيخ أن يتلو عليه سورة مريم من القرآن، فلما تلا الشيخ الصورة بكا المطران حتى ابتلت لحيته، ولما انتهى الشيخ من تلاوته قام المطران وأحضر المال المطلوب ودفعه له .
ورحل البطريرك جريجوريوس عام 1928، فنُقل جثمانه بموكب نادر إلى دمشق، وبكاه المسلمون قبل المسيحيون، وكانوا يلقبونه بأبو الفقراء، وأبو المسلمين، ومحمد جريجوريوس .
المصادر :
https://www.albawabhnews.com/3480911
https://ar.wikipedia.org/wiki/غريغوريوس_الرابع_حداد
https://www.zamanalwsl.net/news/article/48678
Content created and supplied by: Moawiaeldahaby (via Opera News )
تعليقات
GUEST_QmOYn5N0Z
02-23 22:26:45الله يرحموا و يحسن إليه كما احسن للمسلمين