إن لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدر عظيم عند الله ، ولبعضهم قدر أعظم ، حيث اختصهم الله سبحانه وتعالى بمزيد فضله فكانت لهم مميزات خاصة عن غيرهم من الصحابة وحيث أنهم ضربوا اروع الأمثلة في التضحية والشجاعة والإقدام وحبهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ومن بين تلك الصحابة الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء الصحابي الجليل " مصعب بن عمير" -رضي الله عنه وأرضاه- ، ، فقد كان والداه من أسياد مكة وأغناها .
وقد تمتع مصعب بالجمال والدلال منذ نعومة أظافره وكان يرتدي أفخم الثياب ، وكان أهل مكة يعرفونه بعطرة الذي يفوح منه دائماً.
وبالرغم من حياة الترف التي كان يعيشها مصعب ، إلا أنه عندما سمع عن دين محمد ( صلوات الله وسلامه عليه ) تحرك فؤاده وشغف لمعرفة دين التوحيد وترك عبادة الأصنام ، فأسرع للنبي حيث كان في دار بن الارقم يدعو الناس سرا ،وأعلن مصعب إسلامه.
وعندما كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه عثمان بن طلحة ، فأخبر والدته على الفور التي قامت بحبسه ومنع الطعام عنه ، ولكن ظل مصعب ثابتاً يتلو عليهم بعض من آيات الذكر الحكيم لعل الله يهديهم ، ولكن لم يشأ الله أن يشرح صدرهم للإسلام ، ثم قامت بطرده من البيت .
ثم هاجر مصعب مع المهاجرين إلى الحبشة ثم عاد بعد ذلك ، وعندما طلب المؤمنين من الأنصار أن يرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معهم من يقرئهم القرآن ويعلمهم أمور دينهم، فاختار الرسول مصعبًا ليكون أول سفير له خارج مكة .
وحمل مصعب أمانة الدعوة مستعينًا بالله تعالى ، وقد أنعم الله عليه من عقل راجح، وخلق كريم، وأعجب أهل المدينة بزهده وإخلاصه فدخلوا في دين الله، وكان مصعب يدعو الناس إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فأسلم على يديه سادة أهل المدينة، مثل: أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ .
وبعد فترة من الزمن هاجر الرسول الكريم وأصحابه إلى المدينة، فغضبت قريش، وقررت قتال المسلمين، وألتقي جيش المسلمين والمشركين في غزوة بدر، وأنتصر المسلمون.
وبعدها أختار الرسول مصعبًا ليحمل لواء الإسلام في غزوة أحد ، حيث كانت الغزوة الوحيدة التي لم ينتصر فيها جيش المسلمين بالرغم من أن النصر أول الأمر كان للمسلمين، ولكن سرعان ما تحول النصر لهزيمة ، لأن الرماة خالفوا أمر الرسول ونزلوا من فوق جبل أحد يجمعون الغنائم، ثم تكالب عليهم المشركون وأخذوا يقتلونهم، وبدأت صفوف المسلمين تتمزق.
وقد أخذ المشركين يتنقبون عن الرسول لينالوا منه، فقد فطن مصعب - رضي الله عنه -لهذا الخطر، وظل يكبر ويلفت نظر العدو؛ ليشغلهم عن رسول الله ، ثم ألتف الأعداء حوله، فضرب أحدهم يده اليمنى فقطعها، فحمل مصعب اللواء بيده اليسرى، فضرب يده اليسرى فقطعها، فضم مصعب اللواء إلى صدره بعضديه، وهو يقول: "وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل"، فضربه أعداء الله ضربة ثالثة فقتلوه، واستشهد مصعب.
وبعد إنتهاء المعركة نزل الرسول ( صلى الله عليه وسلم )وأصحابه إلي أرض القتال يتفقدون الجرحي والقتلى ، ويودِّعون الشهداء، وعند جثمان مصعب سالت دموعه الشريفة وظل يبكي عليه.
وعندما جاءوا ليكفنوه لم يجدوا شيئًا يكفنونه فيه إلا ثوبه القصير، إذا وضعوه على رأسه انكشفت رجلاه، وإذا غطوا رجليه ظهرت رأسه، فقال النبي : "غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر (نبات له رائحة طيبة)" [البخاري].
وقد فاضت روحه الطاهرة الشريفة إلى بارئها ، واستشهد مصعب في سبيله ، وصدق فيه قول الله تعالى: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" [الأحزاب: 32] .
وعندما كان يودع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شهداء أحد قال :- " أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فوالذي نفسي بيده لا يسلِّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه " [الحاكم والبيهقي].
https://www.elbalad.news/3834395
Content created and supplied by: [email protected] (via Opera News )
تعليقات
[email protected]
04-02 20:54:52تم