لا يخفى علي أحد منا انتشار فيروس كورونا، وفي ظل ما يعيشه العالم من انتشار فيروس كورونا، وما اتخذته الدولة من إجراءات احتياطية وقرارات وقائية لتقليل التجمعات البشرية في المدارس والمساجد وغيرها، للحد من انتشار هذا الفيروس عن طريق العدوى والمخالطة ، وقد اشيع مؤخراً وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشر أيضاً فيديوهات عن طريق كاميرات المراقبة تظهر أن العديد من مصابي كورونا اذا علموا بإصابتهم بادوا إلى الاختلاط بالناس وفي الحافلات، وبالتالي يؤدي هذا إلى الانتشار الواسع لفيروس كورونا، كل هذا دفع أحد متابعى الصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية، إلى توجيه سؤال وجاء نصه "ما حكم تعمُّد مصابي فيروس كورونا حضورَ الجُمَع والجماعات والمحافل ومخالطة الناس ومزاحمتهم؟".
وأجاب على هذا السؤال الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام قائلاً بلغَ من عناية الشرع الإسلامي في منعِ الأذى والضرر أنْ نَهَى عنهما حتى ولو كان القصد حسنًا ؛ كتخطِّي رقابِ النّاس يومَ الجمعة، فكيف بالضرر المتعمد والأذى المقصود؟فقال تعالى:" وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" (الأحزاب: 58)، وعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ" رواه الطبراني في "المعجم الكبير".
وأيضاً ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" متفقٌ عليه، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" رواه الدار قطني في "سننه"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، وعن أبي شريح رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ" قيل: ومن يا رسول الله؟ قال:" الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ" أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، ولفظ مسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" " البوائق: الغوائل والدواهي) أي: من لا يؤمن شره ولا مضرته، ومن كان بهذه الصفة من سوء الاعتقاد للمؤمن، فكيف بالجار وتربُّصه به الدوائر وتسبيبه له المضار، فهو من العاصين المتوعدين بدخول النار، وأنه لا يدخل الجنة حتى يُعاقب ويجازى بفعله، إلا أن يعفو الله عنه ، وعلى هذا المعنى تضافرت القواعد الشرعية كقاعدة "الضرر يزال"، و"يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام"، و"الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"، و"إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما"، و"درء المفاسد أولى من جلب المصالح" كما في "المنثور في القواعد" للزركشي ، و"الأشباه والنظائر" للسيوطي (دار الكتب العلمية).
وقد رتَّب الشرع على ذلك الأساليب الإجرائية والوسائل الوقائية، التي تدفع أذى الناس المريضة بأمراض معدية ومؤذية عن الناس الصحيحة، وتبعدهم عن محافلهم وتجمعاتهم حتَّى في العبادات كالصلاة والحج ونحوهما:
فلذلك نهى أصحاب الأمراض المعدية عن العبادات؛ مخافة انتشار العدوى وإيذاء الناس؛ فعن ابن أبي مليكة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ على امرأة مجذومة تطوف بالبيت، فقال: "يا أمة الله، اقعدي في بيتك، ولا تؤذي الناس" أخرجه مالك في "الموطأ"، كما نهى عن اقتراب المسجد وحضور الجماعة لِمن كان بهم أذى؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في غزوة خيبر: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ" يَعْنِي الثُّومَ" فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا" أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ -الثُّومِ، وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ- فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وقد نص العلماء على أن هذا معنى عامٌّ في دفع الأذى عن جماعة المسلمين، وهذا يعمُّ المسجد وغيره مما يدخل تحت المجامع والاختلاط؛ كحِلَقِ الذكر، ومصلى الْعِيد، ومشاهد الجنازة، ومكان الْوَلِيمَة، ونحو ذلك، ويلحق به كل ما يُتأذى به ويُنفَّر عنه؛ كالمجذوم، والأبرص، ومن به جرحٌ له رائحة، وشبهه، ولذلك نص العلماء على سقوط صلاة الجمعة والجماعة عمَّن كان به أذًى؛ لأن مشاركتهم المسلمين واختلاطهم بهم سبب للأذى وإلحاق للضرر؛ قال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "المنهاج القويم" (ط ، دار الكتب العلمية): " وكذا نحو المجذوم والأبرص، ومِن ثَم قال العلماء: إنهما يمنعان من المسجد وصلاة الجماعة، واختلاطهما بالناس".
وبناءً على ما سبق ذكره : فيحرم شرعًا، ويجرم قانونًا تعمُّد مصابي فيروس كورونا أو من يشتبه بإصابته حضورَ الجُمَع والجماعات والمحافل، ومخالطة الناس ومزاحمتهم في الأماكن والمواصلات العامة، بل أيضاً ويحرم عليه الذهاب في هذه الحالة إلى المسجد لحضور الجمعة والجماعة مع المسلمين، ويجب على المواطنين امتثال القرارات الاحتياطية والإجراءات الوقائية التي اتخذتها الدولة من منع التجمعات البشرية، للحد من انتشار هذا الفيروس؛ لِما ثبت من سرعة انتشار هذا الفيروس، وقد يكون الإنسان مصابًا بالفيروس أو مُحمَّلًا به وهو لا يشعر، وقد أسقط الاسلام والشريعة الإسلامية، وجوب الجمعة واستحباب الجماعة في مثل هذه الحالات الوبيئة، فأجازت لهم الصلاة في البيوت والرِّحَال، ونص على ذلك العلماء سلفًا وخلفًا؛ رعايةً لسلامة الناس، ووقاية لهم من الأذى، وحدًّا من انتشار الأمراض، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فلذلك أريد أن اوجه رسالة لمصابي كرونا، أن كونك اصبت بالكورونا، فهذا ابتلاء من الله لك، وليس شئ مخزي أو عبياً كما تظن، وما يترتب على ذلك كله أنك تخاف من القول بأنك مصاب، فلذلك تتعامل مع الأشخاص الآخرين، فتؤدي إلى نقل العدوي أيضاً لهم، وبناء على ذلك، سينقل أصدقائك العدوي إلى اهاليهم لأنهم لا يعلمون انك مصاب بفيروس كورونا، فهل تدرك حجم الكارثة التي تسبب بها اخفائك لأمر أنك مصاب بفيروس كورونا، فلذلك نصيحتي لك، لا تخفي الأمر، فهذا ابتلاء من الله لك، فاصبر واحستب، فترة مرضك عند الله، وسيجازيك الله خير الجزاء، واجلس في المنزل ولا تخرج، إلا بعد التأكد من أنك لم تعد مصاب بفيروس كورونا، ولست حاملاً له، وفي الختام اسأل الله العظيم أن يحفظنا جميعاً من هذا الوباء، وأن يحفظ اهالينا وكل احبابنا، ولا يرنا مكروها فيهم، واسأل الله أن يرفع هذا البلاء عن الأمة الإسلامية إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المصدر :
https://www.dar-alifta.org/AR/ViewFatwa.aspx?ID=15785&LangID=1&%D8%AA%D8%B9%D9%85%D8%AF_%D9%85%D8%B1%D9%8A%D8%B6_%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7_%D9%85%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3
Content created and supplied by: أسراءأحمد (via Opera News )
تعليقات