جاء في سورة التوبة الآية" 117 " قال تعالى" لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"، فعل تعرف لماذا قال الله عز وجل، لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار، ولذلك في هذا المقال أعرض لكم ما الذي قاله العلامه الشيخ محمد متولي الشعراوي بشأن ما الذي فعله الرسول حتى يقول الله تعالى لقد تاب الله على النبي :
يقول العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي: بشأن قول الله عز وجل "لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"، قلنا: إن التوبة لها مراحل، فيوجد توبة شرعها الله، ومجرد مشروعية التوبة من الله رحمة بالخلق، كما إنها أيضاً رحمة بالمذنب؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو لم يشرع التوبة لاستشرى الإنسان في المعاصي بمجرد انحرافه مرة واحدة، وإذا استشرى في المعاصي فالمجتمع كله يشقى عليه الذنب، فمشروعية التوبة نفسها رحمة بمن عمل الذنب.
ويُضيف الشيخ الشعرواي قائلاً وأنت إذا قرأن قوله الحق سبحانه وتعالى "ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ..." [التوبة: 118] فافهم أن تشريع التوبة إنما جاء ليتوب العباد فعلاً، وبعد أن يتوبوا، يقبل الله التوبة، والله سبحانه وتعالى هنا يقول: "لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ"، وعطف على النبي محمد صلى الله عليه وسلم " ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ " ، فما الذي فعله النبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى يقول الله تبارك وتعالى: " لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ" ؟! ونقول ألم يقل الله سبحانه وتعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم" عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ... " ( التوبة: 43)، وذلك حين جاء بعض المنافقين، واستأذنوا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الغزوة، فأذن لهم، مع أن الله سبحانه وتعالى قال: " لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً... "(التوبة: 47) ، إذن: فرسول لله صلى الله عليه وسلم كان بالفطرة السليمة قد اتخذ القرار الصائب، ولكن الحق سبحانه لا يريد ان يتبعوا فطرتهم فقط، بل أراد أن يضع تشريعاً محدداً.
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يخبرنا بأنه قدم العفو لرسوله الكريم الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أذن لمن استأذنه من المنافقين ألا يخرجوا إلى القتال، وهناك أشياء يأخذها الله عز وجل على عبده؛ لأن العبد قام به ضد صالح نفسه، ومثال هذا من حياتنا ولله المثل الأعلى: أنت إذا رأيت ولدك يذاكر عشرين ساعة في اليوم؛ فإنك تدخل عليه حجرته لتأخذ منه الكتاب أو تطفئ مصباح الحجرة، وتقول له: " قم لتنام "، وأنت في هذه الحالة إنما تعنف عليه لأنك تحبه، وليس ، لأنه خالف منهجاً، بل لأنه أوغل في منهجٍ وأسلوب عملٍ يرهق به نفسه، وهكذا حين سمح النبي محمد صلى الله عليه وسلم لقوم أن يتخلفوا، فهل فعل ذلك ضد مصلحة الحرب أم مع مصلحة الحرب؟.
وذلك أنهم لو اشتركوا في الحرب لكثر ثوابهم حتى ولو حرسوا الأمتعة أو قاموا بأي عمل، إذن: فإذنه صلى الله عليه وسلم لهم بالتخلف هو تصعيب للأمر على نفسه، ولذلك نجد أن كل عتب على نبي الله، إنما كان عتباً لصالحه لا عليه فسبحانه يقول له: " لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ... " ( التحريم: 1)، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يحل ما حرم الله بل حرم على نفسه ما أحل الله له، وهذا ضد مصلحته، وكأن الحق يسائله: لماذا ترهق نفسك؟. إذن: فهذا عتب لمصلحة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأيضاً حين جاء ابن مكتوم الأعمى يسأل رسول الله في أمر من أمور الدين، وكان ذلك في حضور صناديد قريش، فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى الصناديد وهم كافرون، يريد أن يلين قلوبهم، وترك ابن أم مكتوم؛ فنزل القول الحق: " عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ" (عبس: 1-2)
وابن أم مكتوم جاء ليستفسر عن أمر إيماني، ولن يجادل مثلما يجادل صناديد قريش، فلماذا يختار الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر الصعب الذي يحتاج إلى جهد أكبر ليفعله؟. إذن: العتب هنا لصالح محمد صلى الله عليه وسلم، وحين يقول الحق له:" عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ... " [التوبة: 43]، ثم جاء في الآية "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار" فالمهاجرين والأنصار معطوفين على رسول الله، وذلك حتى لا يتحرج واحد من المهاجرين أو الأنصار من أن الله تاب عليه، بل التوبة تشمله وتشمل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه؛ فلا تحرُّج، وهذه المسائل التي حدثت كان لها مبررات، فقد قال الله سبحانه وتعالى :" مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ".
ومعنى يزيغ: يميل، أي: يترك ميدان المعركة كله؛ لأنها كانت معركة في ساعة العسرة، ومعنى العسرة الضيق الشديد، فالمسافة طويلة، والجنود الذين سيواجهونهم هم جنود الروم، والجو حارٌّ، وليس عندهم رواحل كافية، فكل عشرة كان معهم بعير واحد، يركبه واحد منهم ساعة ثم ينزل ليركبه الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع ثم الخامس، وهكذا، ولم يجدوا من الطعام إلا التمر الذي توالد فيه الدود، وقد بلغ من العسرة أن الواحد منهم كان يمسك التمرة فيمصها بفيه يستحلبها قليلاً، ثم يخرجها من فيه ليعطيها إلى غيره ليستحلبها قليلاً، وهكذا إلى أن تصير على النواة، ثم وكان الشعير قد أصابه السوس، وبلغ منه السوس أن تعفن.
وقال من شهد المعركة: " حتى إن الواحد منا كان إذا أخذ حفنة من شعير ليأكلها يمسك أنفه حتى لا يتأذى من رائحة الشعير ".كل هذه الصِّعاب جعلت من بعض الصحابة من يرغب في العودة، ولا يستكمل الطريق إلى الغزوة،إذن: فالتوبة كانت عن اقتراب زيغ قلوب فريق منهم،وجاء الله سبحانه وتعالى بتقدير ظرف العسرة، ولذلك تنبأ بالخواطر التي كانت في نواياهم ومنهم أيضاً من همّ ألا يذهب، ثم حدثته نفسه بأنه يذهب مثل أبي خيثمة الذي بقي من بعد أن رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزوة ومرت عشرة أيام، ودخل الرجل بستانه فوجد العريشين، وعند كل عريش زوجةٌ له حسناء، وقد طَهَتْ كل منهما طعاماً، وهكذا رأى أبو خيثمة الظلال الباردة، والثمر المدلَّى، فمسّته نفحة من صفاء النفس.
وقال: "رسول الله في الفيح أي الحرارة الشديدة جدّاً، والريح، والقُرّ والبرد، وأنا هنا في ظل بارد، وطعام مطهوّ، وامرأتين حسناوين، وعريش وثير، والله ما ذلك بالنِّصَفة لك يا رسول الله، وأخذ زمام راحلته وركبها فكلًَّمته المرأتان، فلم يلتفت لواحدة منهما وذهب ليلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صحابة رسول الله: يا رسول الله إنَّا نرى شبح رجل مُقْبل، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " كن أبا خيثمة " ، ووجده أبا خيثمة، هذا معنى قوله تعالى "لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" [التوبة: 117]، وفي واقعة الصحابة الذين راودتهم أنفسهم أن يرجعوا وتاب الله عليهم أيضا على آخرين اعترفوا بذنوبهم، فتاب الحق عليهم حين قال: { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 102].
المصدر :
https://youtu.be/h26H4kvHrJU
من الدقيقة 5:31 حتى الدقيقة 16
Content created and supplied by: أسراءأحمد (via Opera News )
تعليقات