القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالي وهو منزل غير مخلوق ، الذي أنزله على نبيه محمد صل الله عليه وسلم باللفظ والمعنى ، فهو كتاب الإسلام الخالد ، ومعجزته الكبرى ، وهداية للناس أجمعين ، قال تعالى : " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ "، ولقد تعبدنا الله بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ " ، فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام له. ومن أعظم سور القران الكريم سورة فاطر وهي من مثاني السور المكيّة عند جمهور العلماء، ونزلت قبل سورة مريم وبعد سورة الفرقان وعُدّت السورة الثالثة والأربعين في ترتيب النزول والسورة الخامسة والثلاثين في ترتيب سور المصحف العثماني، وتقع آياتها الخمسة والأربعين في الربع السادس والسابع والثامن من الحزب الرابع والأربعين من الجزء الثاني والعشرين، ووجه تسميتها بفاطر لورود هذا اللفظ في أول آيةٍ في السورة للدلالة على القدرة الإلهية على الخلق والإبداع، كما تسمى بسورة الملائكة لإتيانها على ذِكر الملائكة وصفتهم في الآية الأولى .
وسورة فاطر تضمّنت سورة فاطر كغيرها من السور المكية الحديث عن الأمور العقائدية الكبرى كإثبات وجود الله تعالى بإقامة البراهين والأدلة على ذلك والدعوة إلى توحيد الله إلى جانب هدم جميع مظاهر الشِّرك، كما تضمنت السورة المواضيع الآتية:
_ افتتاح السورة بالدلالة على أنّ الله تعالى هو المستحق للحمد والثناء بما هو أهلٌ له.
_إثبات الألوهيّة لله وحده.
_إثبات البعث والجزاء والدار الآخرة وما فيها.
_إثبات صدق الرسول الكريم وأنّ ما جاء به هو ما جاء به الأنبياء والرسل من قبله، وتثبيته بقصص الأنبياء ومن قبله من الأمم.
_ تذكير الناس بعددٍ من نعم الله عليهم وأنّ ما يعبدون من دون الله لا يضرّ ولا ينفع. التأكيد على حاجة الخلق لله، وفي المقابل استغناء الله عن جميع الخلق. التفريق بين الإيمان والكفر من خلال ضرب الأمثلة لتقريب الصورة.
_تقسيم الأمة الإسلامية إلى ثلاثة أصنافٍ.
_تذكير الناس بالعداوة القديمة بين الإنسان والشيطان. الثناء على من آمن بالدعوة المحمدية ووصف حال المكذّبين وما ينتظرهم من العذاب في الآخرة.
وعن فضل سورة فاطر فلم يَرِدْ في فضل سورة فاطر حديثٌ صحيحٌ يمكن الركونُ إليه وأنّ ما جاء في فضل سورة فاطر كما جاء في فضل غيرها من سور القرآن الكريم وهو أجر التلاوة؛ فالحرف بحسنةٍ والحسنة بعشرة أضعافها، لكنْ ما وَرَدَ في فضل سورة فاطر اختُصَّت به آياتٌ محددةٌ من السورة: "جاء رجلٌ إلى ابنِ مسعودٍ؛ فقال من أين جئتَ؟ قال: من الشامِ، قال: من لقِيتَ، قال: لقِيتُ كعبًا، قال: ما حدَّثك كعبٌ؟ قال: حدَّثني أنَّ السماواتِ تدور على منكبِ ملكٍ، قال: لقد كذب كعبٌ إنَّ اللهَ يقول"إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا".
وسورة فاطر هي السورة الخامسة والأخيرة التي افتتحت آياتها بالثناء على الله ومدحه باستخدام قول "الحمد لله" إلى جانب سور الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ، والحمد في اللغة العربية من الفعل حَمِدَ أي أثنى ومدح وهو ضد الذّم، وقد وردت كلمة الحمد لله والحمد لله ربّ العالمين في القرآن الكريم في أكثر من موضعٍ غير أوائل هذه السُّور، وقد قال أهل العلم أنّ لفظ الحمد لله يحمل في طياته معنى الثناء والدعاء معًا؛ فهو من أفضل العبادات القولية: "أفضلُ الذكرِ: لا إلَه إلَّا اللهُ، وأفضلُ الدعاءِ: الحمدُ للهِ" ، كما أنّ المواظبة على حمد الله على نعمِه وحمده في السراء والضراء وتكرار لفظ الحمد لله على كل حالٍ تملأ ميزان العبد وتُثقله، فهي من أحب الكلام إلى الله تعالى.
معظمُ أسماء سور القرآن الكريم جاءت بناءً على اجتهاد الصحابة -رضوان الله عليهم-، ولم ترد تسميتها في الأحاديث النبوية الشريفة أو في الوحي، وقد حرص الصحابة على تسميتها بهدف التمييز بينها عند ترتيبها في المصحف الشريف، أما سورة فاطر فقد سميت بهذا الاسم لذكر اسم الله تعالى "فاطر" فيها في قوله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"، وهو اسمٌ جليلٌ من أسماء الله الحسنى، ونعتٌ جميل ابتدأت به السورة، ويُشير ذكر هذا الاسم إلى بديع صنع الله تعالى في السماوات والأرض، وقد سمتها بعض كتب التفسير بسورة الملائكة، لابتدائها بذكر الملائكة الكرام في أول السورة.
وسبب نزول سورة فاطر نزلت سورة فاطر قبل هجرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولهذا فإنّ سبب نزولها جاء تلبيةً لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تتعلق بمسائل العقيدة الإسلامية الكبرى مثل: الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وهدم قواعد الشرك بالله، وإقامة الأدلّة والبراهين على وجود الله، والحث على تطهير القلوب من الرذيلة والتحلّي بالأخلاق الجميلة
أما عن مناسبة نزول سورة فاطر فهي كما جاء في الحديث الشريف: سألَ رجلٌ رسولَ اللَّه -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم- فقال: النَّومُ ممَّا يقرُّ اللَّهُ بهِ أعيُنَنا فيالدُّنيا فهل ينامُ أهلُ الجنَّة؟ فقالَ رسول اللَّه -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم-: "إنَّ الموتَ شريك النَّوم وليس في الجنَّةِ موتٌ"، قالوا: يا رسول اللَّه فما راحتُهُم؟ قال: "إنَّه ليس فيها لُغوب كلُّ أمرِهم راحةٌ"، فأنزلَ اللَّهُ: "لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ"
وقراءة القرآن الكريم عامة وتأمل في آياته ومعرفة تأويله وسبب نزول آياته ،من أعظم الطّاعات، وأجلّ القربات، وأشرف العبادات، قال عثمان بن عفان: "لو أنّ قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربّنا، وإنّي لَأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر في المصحف"، فهو حبل اللّه المتين، والذّكر الحكيم، والصّراط المستقيم، من تركه من جبار قصمه اللّه، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه اللّه، وحامله من أهل اللّه وخاصّته، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ للّه أهلين من النّاس، قالوا يا رسول اللّه من هم؟ قال: هم أهل القرآن، أهل اللّه وخاصته»
ومن شغله القرآن عن الدّنيا عوّضه اللّه خيرًا ممّا ترك، ومن ليس في قلبه شيء من القرآن كالبيت الخرب، فكم هي البيوت الخربة، والقلوب الخربة التي أدمنت اليوم على الغناء والرّقص و(الفيديو كليب) وغيرها، وهجرت القرآن كلام الرّحمن؟! وأمّا الأجر والثواب للقارئ فالقرآن يشفع لصاحبه وقارئه، وله به في كلّ حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، إلى أضعاف مضاعفة، وتنزل عليه السّكينة، وتغشاه الرّحمة، وتحفّه الملائكة، ويذكره اللّه فيمن عنده، سبحان اللّه! ما أعظمه وأجلّه، أحقًّا يذكر جبّار السموات والأرضين العبدَ الضعيفَ الذي خُلق من ماء مهين؟
هذا والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
إذا أتمت قراءة المقال فلا تنسونا بصالح دعائكم،وفي انتظار تفاعلكم وتعاليقاتكم ومشاركتكم حتي تعم الفائدة على الجميع.
Content created and supplied by: SalahHarby (via Opera News )
تعليقات