إنَّ صَحابة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جيلٌ مِثاليٌّ، أكرَمَ الله به هذه الأمَّة، وهذا الجيل هو الذي بلَّغ الدُّنيا المعمورةَ دينَ الله، وهو الذي ثبَّت دَعائِمَه في دُنيا الواقع بعد وَفاةِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومَ أنِ ارتدَّ كثيرٌ من العرب، فكان أفراده أبطال حُروب الرِّدَّة وأبطال الفتوح.
إنَّه جيلٌ يصعُب تكراره، جيلٌ ربَّاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكانوا خيرَ الناس في عصرهم، وبقيَتْ آثارهم الطيِّبة بعد وَفاتهم، جيلٌ أثنَى عليهم ربهم في الكتاب الكريم، وأثنَى عليهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما صَحَّ من الحديث، فكان قرنهم خيرَ القرون. وعن عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُ الناس قرني، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يَلُونهم))؛ رواه البخاري ، ومسلم والترمذي ، وابن ماجه
لقد كانوا مُلهَمين مُسدَّدين، وكانوا مجاهدين صادِقين، وكانوا عُلَماء مُصطفين، وكانوا دُعاةً مُوفَّقين.فأين نجدُ في تاريخنا وتاريخ أُمَمِ الدنيا أمثالَ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد والزبير وأبي عبيدة وعبدالرحمن بن عوف وطلحة وغيرهم؟فأين نجدُ أمثالَهم في التاريخ القديم وفي التاريخ الحديث؟
ألا يحقُّ لنا - نحن المسلمين - أنْ نفتَخِر بهؤلاء الأبطال العظماء - رضي الله عنهم أجمعين - وإنِّي أرى أنَّ من الواجب على الدعاة إلى الله أنْ يعرضوا سير هؤلاء الرجال الأفذاذ بطريقةٍ جذَّابة، وبأسلوبٍ مُؤثِّر، وأنْ يعرضوها على الأجيال الناشئة من المسلمين؛ ليكونوا لهم قدوةً وأسوةً حسنة.ومن بين هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين،
حديثنا اليوم عن الصحابي الجليل شماس بن عثمان المخزومي ،رضي الله عنه وأرضاه ، نروي طرفاً من سيرته العطرة، ودوره البارز في نشر الإسلام ونصرة هذا الدين،
هو الصحابي الجليل عثمان بن عثمان بن الشريد بن هرمي بن عامر بن مخزوم القرشي المخزومي، من بني عامر بن مخزوم، واشتهر بـ"شماس بن عثمان". وأمه: صفية بنت ربيعة بن عبد شمس.
أسلم أول الإسلام، وهاجر إِلَى الحبشة، وأمه صفية بنت ربيعة بْن عبد شمس، أخت شيبة وعتبة، وعاد من الحبشة.
وهاجر إِلَى المدينة، وشهد بدرًا، وقتل يَوْم أحد، وكان يَوْم قتل ابن أربع وثلاثين سنة، وكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما وجدت لشماس شبيها إلا الحية "، يعني مما يقاتل عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ، وكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرمي ببصره يمينًا ولا شمالًا إلا رَأَى شماسًا في ذلك الوجه، يقاتل عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويترسه بنفسه، حتى قتل، فحمل إِلَى المدينة وبه رمق، فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احملوه إِلَى أم سلمة "، فحمل إليها، فمات عندها، فأمر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرد إِلَى أحد فيدفن هناك، كما هو في ثيابه التي مات فيها، بعد أن مكث يومًا وليلة، إلا أَنَّهُ لم يأكل ولم يشرب، ولم يصل عليه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يغسله.
ولقب شماسًا لأن شماسًا من الشمامسة في الجاهلية كان جميلًا، فعجب الناس من جماله، فقال عتبة بن ربيعة -وكان خالَ شماس-: أنا آتيكم بشماس أحسن منه، فأتى بابن أخته عثمان بن عثمان، فسُمِّيَ شماسًا من يومئذٍ وغلب ذلك عليه.
وكان يقي رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بنفسه، وفي يوم أحُد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرمي ببصره يمينًا وشمالًا إلا رآه في ذلك الوجه يذب بسيفه، حتى غشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتَرَّس بنفسه دونه حتى قتل رضي الله عنه، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما وجدت لشماسٍ شبهًا إلا الجُنَّة -بضم الجيم أي الوقاية والحماية-»، وزاد في رواية: «ما أُوتَى مِن ناحيةٍ إلا وَقَانِي».
ورُوي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بينه وبين حنظلة بن أبي عامر.
استشهد بعد أن مكث جريحًا يومًا وليلةً في المدينة ولكنه لم يذق شيئًا، ودفن في أحدٍ كما هو في ثيابه التي مات فيها بلا غسلٍ ولا صلاةٍ عليه، وكان يوم استشهد ابن أربعٍ وثلاثين سنةً وليس له ذريَّة.
وقال سعيد بن يربوع يعزي أخته في زوجها شماس بموته شهيداً في طاعة الله ومرافقته لحمزة أسد الله:
أقني حياءك في ستر وفى كرمٍ
فإنما كان شماس من الناسِ
لا تقتلي النفس إذا حانت منيته
في طاعة الله يوم الروع والباسِ
قد كان حمزة ليث الله فاصطبري
فذاق يومئذ من كأس شماسِ
فرضي الله عنه وأرضاه وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
Content created and supplied by: SalahHarby (via Opera News )
تعليقات