كتب : معاوية الذهبي .
مكالمة هاتفية ربما هي الأقصر بين زعيمين في العالم، لكن ما تلاها كان أكبر ما قد يحدث بين دولتين، عندما رفع الرئيس الأسبق حُسني مبارك سماعة الهاتف وطلب شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلي، كلمتان قالهما مُبارك "هل ستتركون سفينتنا؟" ، الجواب كان أكثر اقتضاباً حيث قال بيريز "لا"، ألقاها دون أن يكون لديه الوقت ليُتبعها بكلمة أخرى .
أغلق مبارك الخط على الفور، ومرَّت ساعات قليلة صدرت خلالها الأوامر، فتحركت الفرقة 777 المصرية في سرية مُطلقة، وكان الظلام يخيم على ميناء حيفا بالبحر المتوسط عندما دخل إليه رجال صاعقة النيل وقتلوا كل الحُراس الإسرائيلين، قبل أن يصلوا السفينة المصرية المحتجزة فيطلقوا سراحها ويحرروا طاقمها، ليخرجوا دون أن يعترضهم أي جندي إسرائيلي، ويعودوا إلى مصر سالمين بعد أكبر عملية مصرية عربية داخل حدود إسرائيل، الأمر الذي جعل البعض يصفها بعملية "أولاد الأبالسة".
سفينة الأسلحة .
في عام 2002 كانت الانتفاضة الفلسطينية في أوجها، وكانت حكومة الاحتلال بزعامة أرييل شارون حينها لا تزال عاجزة عن وأد الحراك الفلسطيني، وتزعم بالدعم الخارجي للانتفاضة، قبل أن تأتي الفرصة لحكومة شارون كي تبرهن على تلك المزاعم، حيث أعلنت إلقاء القبض على سفينة مصرية تُسمى "كارينA" بتهمة نقل أسلحة إلى قطاع غزة عبر البحر، التصريحات الإسرائيلية وقتها حملت تهديدات كبرى ضد مصر باتخاذ إجراءات عسكرية حازمة ضد القاهرةفور انتهاء السلطات الصهيونية من التحقيق مع طاقم السفينة المصرية، الذين أودعوا جميعاً في زنزانات منفردة بسجن حيفا .
اللافت وقتها أن الرئيس المصري حسني مبارك لم يُعطِ وقتا طويلا للحلول الدبلوماسية، حيث رفض الحديث مع شارون الذي كان في قطيعة معه منذ زمن، واكتفى بمكالمة مقتضبة مع شيمون بيريز طالبة فيها بإطلاق سراح السفينة، فرفض بيريز الطلب زاعماً أنه سيحقق معهم أولاًن لم ينتظر مبارك حتى إغلاق الخط، وأعطى الأوامر بتحرك أحد أخطر قوات الصاعقة المصرية لتحرير السفينة وإطلاق سراح الطاقم على الفور .
الفرقة 777 في حيفا .
خلال أقل من ساعة على إعطاء مبارك الأمر بالتحرك، كانت الفرقة 777 تصتف في ساحة التدريبات، حيث كان آمر الفرقة يخطب فيهم قائلاً "إخوانكم في قبضة الأعداء بميناء حيفا فهل ستتركونهم؟!"، فجاء رد أفراد الفرقة 777 في صوت واحد "إلى حيفا.. الله أكبر"، ليبدأ أفراد الفرقة سباقاً مع الوقت لتنفيذ مُحاكاة سريعة لاقتحام ميناء حيفا وسجنها، بالاعتماد على مُخططات عسكرية وصور لأقمار صناعية، ولم تمضِ ساعات حتى أخطر قائد فرقة الاقتحام بجاهزية رجاله للعملية بعد وضع خطة اقتحام وإنزال على 3 محاور بري وجوي وبحري.
انطلقت المجموعة الأولى على المحور الجوي بإنزال قوات الصاعقة خلف خطوط إسرائيل لتتوغل نحو السفينة بحراً، قبل تنفيذ إنزال على ظهر السفينة وقتل جميع حراسها باستخدام أسلحة كاتمة للصوت وأخرى بيضاءن فيما كانت المجموعة الثانية تنطلق على المحور البري حيث هاجمت عناصر من الفرقة سجن الميناء وقتلوا جميع الحُراس بالسلاح الأبيض وحررت الطاقم، وعلى المحور البحري تحركت الفرة الثالثة المكونة من الضفادع البشرية فقامت بتلغيم كل السفن البحرية الإسرائيلية المتواجدة بالميناء، في خطة وصفتها مراجع عسكرية بـ "الشيطانية الجهنمية"، وذلك لضمان خروج جميع عناصر الفرقة والطاقم المحرر من إسرائيل بسلام، حيث هددت مصر دولة الاحتلال على الفور بتفجير كل ميناء حيفا حال التعرض لأي من جنودها أو طاقم السفينة خلال خروجهم ما مكن أفراد الفرقة من تحرير الطاقم والعبور للجانب المصري بالسفينة دون خسائر .
جنون بالعبري .
خلال توجه السفينة وعلى متنها أفراد الفرقة 777 والطاقم إلى مصر، كانت القيادة الأمنية في دولة الاحتلال مجتمعة على أعلى المستويات لدراسة كيفية إفشال العملية وضرب السفينة المصرية دون التسبب بتفجير ميناء حيفا، وقد بدأت قوات جيش الاحتلال هي الأخرى سباق مع الزمن لمحاولة تفكيك الألغام المُثبتة بالسفن قبل وصول السفينة لمصر، إلا إن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، وهو ما أثار جنون وغضب قادة إسرائيل طيلة الوقت الذي استغرقته قواتهم لتفكيك الألغام ، إلا أنها لم تتمكن من تفكيكها حتى أرسلت قيادة مصر خارطة تظهر توزع الألغام على السفن وطريقة تفكيكها، الأمر الذي أزاد الغضب في نفوس القادة الصهاينة وجعلهم يكثفون الاتصالات المتسارعة بروسيا وأمريكا وفرنسا وإنجلترا، تطلب منهم عدم الدخول في تدريبات مشتركة مع القوات الخاصة المصرية، واصفة إياها بقوات غير آدمية لا تصلح للتعامل مع البشر .
ورغم عدم إعلان إسرائيل عن العملية المصرية، وحديثها السابق عن عزمها فضح مصر بتسليحها الفلسطينين، وخرق اتفاق السلام الموقع بين البلدين، إلا أن إسرائيل قد عتمت على الموضوع بشكلٍ مفاجىء ولم تعرض السفينة ولا الأسلحة ولا الطاقم على وسائل الإعلام كما وعدت، ليظهر بعد ذلك ردها غير المباشر عبر تصريحات هجومية ضد الجيش المصري، والضغط على أمريكا لوقف بيع السلاح إلى مصر، إضافة إلى شراء أنظمة صواريخ ومدمرة وغواصتين، وعلى الرغم من المؤشرات التي دلت على العملية وقتها، إلا أنها بقيت طي الكتمان حتى أفرجت عن بعض تفاصيلها تقارير استخباراتية غربية، كان ذلك قبل أن تؤكد وسائل إعلام مصرية الخبر نقلاً عن مصادر عسكرية رفيعة المستوى .
رجال من ذهب .
يعود سبب تأسيس الفرقة 777، بواسطة اللواء أحمد رجائي عطية، إلى فشل قوات الصاعقة المصرية في تحرير الرهائن أثناء عملية "لارنكا" عام 1978، حيث أمر الرئيس السادات وقتها، بدفع القوات إلى دولة قبرص، دون الحصول على إذن مسبق منها، ما دفع القوات القبرصية إلى الاشتباك معها بكامل قوتها وأسلحتها الثقيلة، الأمر الذي أفشل مهمتها وأسقط عددا كبيراً من قوات الصاعقة المصرية، لتظهر بعد ذلك الفرقة 777 التي تم تأسيسها عام 1985، ليأتي دور الفعال في تنفيذ عدة عمليات ناجحة، مثل تحرير طائرة تابعة لمصر للطيران، كانت محتجزة بمالطة، ورغم عدم مشاركة تلك الفرقة في أي حرب منذ تأسيسها، إلا أنها تعد واحدة من أقوى وأعتى الوحدات القتالية في العالم .
المصادر:
https://stepagency-sy.net/2020/12/28/أولاد-الأبالسة-العملي-السرية-777/
https://ar.wikipedia.org/wiki/الوحدة_777_(مصر)
https://www.youtube.com/watch?v=tSQot2Lxno8&t=466s
https://defense-arab.com/vb/threads/50034/
https://egy-after-25.blogspot.com/2011/06/777.html
https://www.alnaharegypt.com/246234
Content created and supplied by: Moawiaeldahaby (via Opera News )
تعليقات