لم ينته الحديث بعد عن أزمة سد النهضة التى أصبحت تؤرق دول حوض النيل بوجه عام و دولتى المصب بوجه خاص،وذلك بسبب سعى إثيوبيا نحو تطبيق استراتيجية خاطئة تستهدف تغيير قوانين دول المنبع،مما يعكس صورة مغايرة لما نصت عليه اتفاقيات المياه المتعارف عليها دوليا،وبدوره قد يضع ذلك إثيوبيا فى مهب تجريم حقوق الدول المائية أمام المعسكر الدولى ، والتى من المرجح أن تفتح مزيد من الجراح بمناطق آخرى،تسهم فى تأجيج واشتعال تلك المناطق كبؤر صراع جديدة تحظى بالاستقرار والسيادة المائية فى وقتنا الحالى، فيدلل ذلك على وجود قوى خفية تدفع إثيوبيا باتجاه اندلاع نزاع جديد من نوعه،كانت شرارته الأولى تلك التصريحات التى أدلى بها وزير الطاقة الإثيوبى عندما حث على ضرورة وقف العمل بالاتفاقيات الاستعمارية للمياه بأفريقيا.
فإثيوبيا تسعى للترويج لتلك النظرية التى تثير كثير من الضبابية حول انتمائها للقرن الأفريقي ،عبر إعلانها عن مشروعية طموحها التنموى من خلال السد،فكان لذلك الأثر البالغ فى وجود نوايا مبطنة بالسوء تنذر بحالة شبيه بحمى الانفصال التى تعترى إقليميا فيفتح الطريق أمام استشراء ذلك بأقاليم آخرى،ومن ثم كانت الدبلوماسية اليافعة سلاحا مصريا للدفاع عن حقوقها الوجودية فى ظل دعوات متعجلة بضرورة اللجوء إلى الخيار العسكرى لإنهاء تلك الأزمة،بينما كانت أسس المنهجية المصرية راسخة على قواعد الحل وليس إنهاءها فقط ،ولهذا جاءت المرجعية المصرية بميزة كونها آلية جامعة مانعة حملت كل المنافع لأطراف الأزمة ودرءت لحوق الضرر بأى طرف،والتى استطاعت من خلالها أن تستقطب السودان لصفها ،والذى تجلى بتصعيد سقف طموحها للحل من خلال رغبتها باتفاق يحمى ما يقارب من ٢٠ مليون مواطن سودانى، والتى سبقها تصريحات سودانية باتفاق ملزم يحمى نصف سكان السودان،فى إشارة لتلك الأضرار التى قد يتسبب فيها سد النهضة لهؤلاء الذين قد يواجهون الهلاك جراء هذا المشروع الإثيوبى.
حيث عقدت السفارة المصرية بواشنطن اجتماعا افتراضيا مع أعضاء نافذين ونواب من الكونجرس الأمريكى وأعضاء من اللجان العسكرية والاقتصادية الأمريكية للتباحث حول أزمة سد النهضة وضررها على الأمن المائى المصرى،تلك الجلسة التى حضرها بشكل افتراضى الفريق التفاوضى المصرى المعنى بأزمة السد ،إلى جانب فريق من الخبراء و المتخصصين بالشأن الأفريقى وقضايا المياه عبر الفيديو كونفرانس ،وتزعم العرض التفصيلى لوجهة النظر المصرية بتلك القضية سفير مصر بواشنطن معتز زهران،حيث أكد زهران على عدم وجود أى ممانعة مصرية تجاه حقوق إثيوبيا التنموية بما لا يخل بحقوق مصر المائية التاريخية ،واستعرض زهران جهود مصر الحثيثة التى بذلتها من أجل حل تلك الأزمة عبر خلق أرضية تفاوضية مشتركة ،مستطردا أن مصر لم تدخر جهدا فى سبيل الوصول إلى اتفاق ملزم وقانونى يخدم أهداف الدول الثلاث، مفيدا أن عدم رغبة السياسة الإثيوبية لحل الأزمة قد هدد الدولة المصرية بالتداعيات السلبية لهذا السد،يأتى هذا اللقاء فى إطار سياسة مصر الخارجية للتعريف بأزمة السد وأترها على دولتى المصب،والتى سبقتها بلقاء مماثل من خلال سفارة مصر بفيينا.
ومن هذا المنطلق يمكننا الذهاب نحو استهداف مصر لحل أزمة السد بشكل نهائى يطوق السياسة الإثيوبية التى تستخدم أساليب الالتواء و المماطلة بتلك القضية،لاعتراض التحركات الإثيوبية نحو تكبيل يداها بعملية الملء الثانى،فاستناد الدولة المصرية إلى البيت الأبيض كركيزة لحل الأزمة يرمى نحو وجود من يختبئ وراء هذا السد عبر المحفزات السياسية أو الاستثمارية لإدارة أبي أحمد،ومن ثم فيمثل الوجود الأمريكى بتلك الأزمة حائط صد حقيقي لتلك المشروعات التى ترفع شعار التنمية كذبا،فانفتاح السودان على الإدارة الأمريكية والذى تجلى برفع الخرطوم من قائمة الإرهاب ينذر بتفهم سودانى إلى عدم خسارة أمريكا كراعى لاتفاق جدى مع الجانب الإثيوبى،بعد نعت السياسة الإثيوبية بامتياز التعنت الذى لم يفارقها طيلة جولات التفاوض نحو تلك القضية،مما يجعلنا نصوب الاتهامات إلى إثيوبيا بوجود نظرية حقيقية للمؤامرة تتخلل هذا السد،فتصدير وجهة النظر والتسليم بها لم يعد من قبيل الاستهلاك المحلى لمبدأ التنظير السياسى،فانطلاق السياسة المصرية نحو تعزيز الوساطة الدولية يمهد بشكل كبير إلى عزل الرعونة الإثيوبية التى تستفز أطراف الأزمة الاخريان ليكونا مصدرا لعرقلة التفاوض عبر منطق اللا حوار ،فتعامل الدولة المصرية باحترافية دبلوماسية يؤكد إطلاعها على الأبعاد الخفية لهذا السد وما يحويه،فاختراق البيت الأبيض لقضية السد قد يمحو المحاولات الإثيوبية التى ترمى إلى صبغة مشروعها بالطابع الاستثماري الدولى،منعا لتشابك المصالح الذى يحول السد إلى قضية دولية قد تطيح بمفردات الأمن القومى المائى لدول المصب وسط مبدأ الفيتو المسيس بالمصالح،فالأزمة السورية خير دليل على ذلك ،ومن ثم تعد أزمة السد مثال حقيقي للمثل القائل"ذى الشعرة من العجين" ،وهذا ما تحاول مصر فعله مع أمنها المائى عبر تثمين الوساطة الدولية بوجه عام والأمريكية بوجه خاص،حتى لا تضطر للذهاب إلى مجلس الأمن وإذا اضطررنا لذلك،فمجبرا أخاك لا بطل.
المصدر /
https://www.masrawy.com/news/news_publicaffairs/details/2021/2/1/1962866/%D8%B3%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D9%82%D8%AF-%D8%AC%D9%84%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86%D8%AC%D8%B1%D8%B3-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9
https://www.shorouknews.com/mobile/news/view.aspx?cdate=02022021&id=ed69ebd2-4cb0-4bc9-9742-62eebf0e24a9
فى رأى حضراتكم هل تضع الدبلوماسية المصرية أمريكا كحجر عثرة فى وجه إدارة أبي أحمد لرضوخ السد لاتفاق نهائى وملزم؟
نرحب بتعليقات حضراتكم فشاركونا آرائكم.
Content created and supplied by: Bikstar (via Opera News )
تعليقات