تتدفق تداعيات النهج الإثيوبى المخيب للأمال باتجاه أبعاد جديدة بأزمة السد ،فالحراك الإثيوبى نحو عرقلة الحلول التى تزج بها دولتى المصب لطاولة السد ،تدفع القاهرة والخرطوم لرد فعل معاكس على الصعيد الدولى والإقليمى لتفكيك أي منهجية مضادة تحاول آديس أبابا إقرارها للحل ،بعدما وضعت القاهرة خط أحمر لحل أزمة السد وفقا لاتفاق عادل وملزم،فأدى ذلك إلى صراع بين منهجيات الحل والتعثر والتى استعانت فيه إثيوبيا بآليات فرض قشور الحل لتمييع جوهر القضية التى تستهدفه إدارة آبي أحمد فى الأساس ودون مواربة،وما يبرهن على ذلك رفض مقترح الرباعية الدولية الذى قدمته السودان ومصر لحل تلك الأزمة،فى وقت بهت فيه تأثير هذا الأمل الذى يحدو دولتى المصب بإنهاء تلك القضية بمكتسبات توافقية وفقا لمبدأ التفاوض المباشر،بعد نهاية الاجتماع السداسى بين البلدان الثلاث دون مخرجات واضحة أو أهداف محددة أو حتى أجندة عمل قد تتناوب فصولها مستقبلا.
فإثيوبيا تعانى بشدة من وطأة الضغط المصرى السودانى الذى بدأ يتبلور بشكل رئيسى نحو توحد منهج المواجهة ضد آديس أبابا،مما بدوره أكسب قضية السد زخما كبير بشأن حقوق دولتى المصب، بعد أن كانت الكفتين متساويتان بالنسبة لفكرة وجود أزمة مجملة بين الجانبين على الحدود التى ترسم حقوقهم،فنجم عن ذلك بلورة حقيقية نحو عدم شرعية التهديدات الإثيوبية التى تؤثر بجسامة على مصالح القاهرة والخرطوم،فمطالبة الدولتين لإدارة آبي أحمد للانخراط باتفاق ينزع العراقيل بتلك القضية للتمهيد لحلحتها،أوجب تقييد حراك الشائعات التى كانت تحاول إثيوبيا استهداف انفصال منهجى بين مصر والسودان تجاه خط مصر الأحمر،لتصدير صورة مغلوطة للمعسكر الدولى أن إثيوبيا ليست جزء من المشكلة بينما تكمن فى أطراف الأزمة الأخرين!!
القاهرة والخرطوم واجهتا معطيات تلك الأزمة كرد فعل لمرتكزين أساسيين ،أولهما تدويل إثيوبيا لأطراف جديدة للأزمة عبر خلق ظهير يدعم توجهها فى وقت رأت فيه الإدارة الأمريكية السابقة أن حقوق دولتى المصب تتعرض لانتهازية آبي أحمد السياسية،ففتح ذلك الباب أمام تدخلات خارجية من قبل إسرائيل وتركيا اللتان تحدثتا باللغة الإصلاحية تجاه حل الأزمة،وثانيهما سياسة الأمر الواقع التى تتهيأ لفرضها عبر عملية الملء الثانى للسد بشكل مضاد للواقع القانونى لتحركاتها وسط أوراق ضغط تصعيدية لدولتى المصب بدأت بالحفاظ على مبدأ الحوار مع فشل النوايا الإثيوببة والتى امتدت إلى تدويل حل الأزمة برعاية الإتحاد الأفريقى كفرضية خططية للوصول إلى الحل الذى يربح فيه الجميع،فحديث الرئيس السيسى عن تلك النوعية من الحلول، أوحى لنا برغبة مصرية فى تقنين وضعية السد تجاه تحقيق غاية حقيقية للشعب الإثيوبى وليس تسييسه ضد مصالح مصر والسودان،مما قد يتيح لإدارة آبي أحمد الاستفادة من الخبرة المصرية بهذا الصدد إذا احتاجت إليها فعليا.
حيث أكد مصدر مطلع لقناة"سكاى نيوز عربية" أن رئيس الوزراء السودانى عبد الله حمدوك قد طالب من أمريكا والإتحاد الأوروبى والأفريقى والأمم المتحدة لعب دور الوسيط بشكل رسمي بأزمة السد، مضيفا أن حمدوك أبلغ تلك الجهات الدولية بالرغبة فى اقتصار دور الوساطة على نقطة إلزامية الاتفاق مع إثيوبيا،إلى جانب تبادل المعلومات السدودية بفترات الجفاف وآلية فض النزاع وعدم إدراج تقسيم المياه فى مفاوضات تلك القضية،يأتى ذلك على خلفية الاجتماع الذى عقده الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء السودانى عبد الله حمدوك بالقاهرة خلال الأيام الماضية للتوافق حول تفعيل اللجنة الرباعية الدولية لحل الأزمة.
ومن هذا المنطلق يمكننا التأكيد على أن اجتماع الرئيس السيسى برئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك بالقاهرة خلال الأونة الأخيرة قد أتت بثمارها باتجاه العصف بالمخططات الإثيوبية الرامية إلى فرض معطيات الأزمة للقفز على سبل الحل،عبر إعلانها المسبق عن نيتها للملء الثانى خلال موسم الأمطار القادم بحلول يوليو اغسطس القادم،بفرضية سياسية تؤشر لوجود حملة ترويجية من قبل إثيوبيا للقبول بنفوذ مضاد تهمين من خلاله تلك الأذرع التى تسعى للتلاعب بالأمن القومى المائى لدولتى المصب،عبر توفير ضمانات حماية لها على شاكلة القوانين الإثيوبية التى رسخت لها إثيوبيا لحماية مشروعاتها صينية المنشأ عبر الدولة المصنعة لها،مما قد ينذر بحقوق انتفاع قد تمنحها إثيوبيا لدول آخرى لتلك المشروعات التى تهدد دول آخرى ومن بينها سد النهضة،من أجل وضع العصا بعجلة الحل التى قد تلجأ إليها دولتى المصب حال رغبتها فى تدويل الأزمة من بوابة مجلس الأمن ،بهدف تشكيل لوبى فاعل بمجلس الأمن عبر الاستفادة من ورقة الفيتو كما حدث ببيان مجلس الأمن الذى صدر ضد انتهاكات آبي أحمد بإقليم تيجراى وتم تعطيله من قبل الصين وروسيا.
فمطالبة السودان بتحجيم دور الوساطة المتمثلة باللجنة الرباعية الدولية تجاه أزمة السد،عبر وضع خطوط عريضة لمهام تلك اللجنة تتجلى برؤية واضحة لتفعيل دورها نحو ما يترآى لدولتى المصب، يستهدف عدم حدوث أى خلل بمفاهيم خط مصر الأحمر الذى ينطلق باتجاه إقرار اتفاق ملزم وقانونى لعملية تشغيل السد وتبادل المعلومات بشأن فترات الجفاف،مما يجعل دور تلك اللجنة امتدادا حقيقيا لسياسة الخط الأحمر عبر تلك المفردات التى تدشنها مصر والسودان،كما أن المطالب السودان تطرقت إلى أن يتمحور الوسيط الدولى للعب دور لإقرار آلية قانونية لفض المنازعات ،والتى تتجسد بشكل رئيسى باتفاق المبادئ الذى تحاول آديس أبابا الانقلاب عليه عن طريق الملء الثانى دون تنسيق مع دولتى المصب كما فعلت ذات مرة بالملء الأولي، فيؤكد ذلك أن إثيوبيا لن تتورع بتبنى الانتهاكات الصارخة مجددا ضد الأمن المائى لدولتى المصب سواء كان ذلك من قبلها أو بالوكالة عن آخرين،وذلك بسبب حالة انعدام الثقة التى أصبحت تسيطر على مشهد الأزمة برمتها بفعل السياسات الإثيوبية،ومن ثم تأتى تشكيل آلية فض النزاع بين الدول الثلاث وفقا للمطلب الذى تقدمت به السودان بشكل رسمى، لتثمن من قيمة حقوق الدفاع عن الأمن المائى لدولتى المصب على حساب تعارض المصالح التى تحشوها إدارة آبي أحمد بمصطلحات التنمية،وهذا ظهر جليا بالتصريحات الأخيرة لوزير الرى السودانى ياسر عباس التى أكد فيها أن السودان لن تتوانى عن استخدام السبل المشروعة للدفاع عن أمنها المائى إذا أصرت إثيوبيا على نهجها الملء الثانى للسد دون مراعاة مصالح القاهرة والخرطوم.
أما بالنسبة للنقطة التى تعد أكثر أهمية بذلك الملف، هى نظرية تقسيم المياه التى تستهدفها إثيوبيا فى نهاية المطاف من وراء توفير بنية تحتية للحل وفقا لمصالحها عبر الملء الثانى،والتى تعد نقطة فارقة فى تاريخ تلك الأزمة،وهذا ما تفطن له مصر والسودان جيدا،وهذا ما قد تعنيه إثيوبيا بالحل المربح الذى تحدث عنه المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتى،وهذا يختلف تماما عن ما نادى إليه الرئيس السيسي الذى ذكر عبارة حل يجب أن يكون فيه الكل رابحا،فعندما كالت إثيوبيا مصطلح الاستعمارية ضد دولتى المصب تحدث الرئيس السيسى عن الإثيوبيين واصفا لهم بالأشقاء والتى جاءت خلال تصريحاته على هامش الندوة التثقيفية ال١٥٥ للقوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد،فاعتقد أن الرباعية الدولية المقننة التى تقر بها مصر والسودان تحت رئاسة وإدارة الكونغو سوف تحسم أمر حل تلك الأزمة قريبا خلال الشهور القليلة المقبلة وقبل الملء الثانى للسد والتى ستجعل بها طموحات آبي أحمد منثورة بأدراج الرياح.
المصدر/
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1421917-%D8%B1%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%B7%D9%84%D8%A8-%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D8%A9-%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9
هل بدأت مصر والسودان يطلقان دخائر حل الأزمة تجاه السد بما يحصن أمنهما المائى ضد أى تدخلات خارجية؟
نرحب بتعليقات حضراتكم فشاركونا آرائكم.
Content created and supplied by: Bikstar (via Opera News )
تعليقات