يبدو أن خيار مصر السلمى تجاه الأزمة الليبية بدأت تقطف ثماره عوامل الاستقرار وإنهاء الفوضى التى كانت تراهن تركيا على إفشالها خلال الفترة الماضية، مما يعد فشلا ذريعا لتلك الاستراتيجية العسكرية التى رسخها أردوغان بالغرب الليبي من أجل تأرجح نفوذ الحل باتجاه رؤيته ومصالحه ،ليتمكن من استتباب الولاية التركية على طرابلس التى كانت تعد بمثابة العاصمة السياسية لحكم الإخوان الإرهابية، مستفيدين من ذلك الغطاء الأممى الذى منح لحكومة الوفاق لإدارة فترة انتقالية للوصول إلى إقامة مؤسسات الدولة بشكلها الحقيقى ،وذلك لتحل محل القبائلية وتزيل أثار العدوان عبر تلك الحرب التى شنها الناتو عليها، والتى وجدت جماعة الإخوان الإرهابية ضالتها المنشودة فيها لتمثل نواة بناء لذلك المشروع السياسى الذى أحبطته الدولة المصرية.
فالقاهرة تسعى لتأمين حثيث وحصانة سياسية قوية لاتفاق جينيف العسكرى والسياسى،فعبر هذا الاتفاق السياسى الذى جاء بالحكومة الانتقالية الجديدة والمجلس الرئاسى بقيادة محمد المنفىى، نجحت الدولة المصرية فى تقزيم فرص سيطرة الإخوان الإرهابية على المشهد السياسى،مما يقطع الطريق على أردوغان لتكييف الأجواء السياسية وفقا لمصالحها فقط،والذى يصب بطبيعة الحال فى إنجاح الاتفاق العسكرى الذى يؤرق تركيا بصورة أعمق،وذلك لأن الدولة المصرية استطاعت الحفاظ على مرجعية بتر أذرع أرودغان العسكرية على الصعيد الدولى وسط مراهنات تركية على إصابة هذا الاتفاق بهشاشة تقضى عليه بالمستقبل القريب، مما جعل كلا من مبادرة برلين والقاهرة كأدبيات سياسية راسخة للتخلص من الإرهاب بليبيا ذلك الذى ترعاه تركيا عبر حشودها العسكرية و التمويلية ،وما لذلك من عواقب وخيمة على أمن أوروبا بشكل خاص.
فأردوغان سعى بشكل خفى لتجميد الحل السياسى الذى كانت تحاول القوى الفاعلة بالمشهد الليبي إقراره منعا لانزاق التفاهمات التى حدثت بين الفرقاء الليبيين إلى النفق المظلم ،ردا على الحفاوة الدولية بخط مصر الأحمر الذى أسس أركان الحماية لمنطقة سرت الجفرة التى تعد المركز النفطى لليبيا بأكملها،والذى بدوره منح الجيش الليبي شرعية سيادية على سرت وسط مخططات إخوانية وتركية للزج بحفتر بقائمة التمرد ضد الدولة،تلك الدولة التى كانت تتذرع بالشرعية الأممية لها،فى ظل انتهاكات متوالية لم يتوان أردوغان لحظة فى تأجيج الحرب ضد الجيش الليبي لإحداث تمدد لحكومة الوفاق المنتهية صلاحيتها إلى الشرق،مما يعطى لتركيا صك الاحتلال الانتفاعى لموارد النفط التى تمثل بؤرة اهتمام المجتمع الدولى برمته،حيث ردد أردوغان كثيرا أن اتفاق جينيف العسكرى لن يصمد طويلا، مما يدلل على أن ذلك الاتفاق كان بمثابة عنق الزجاجة لطموحه بليبيا وسط رغبة تركية محمومة لتعثر هذا الاتفاق لكى يمنح قبلة الحياه من جديد للتحشيد العسكرى الذى يستطيع من خلاله ابتزاز الجميع،بعد أن فشل مسبقا فى مساومة أوروبا والقاهرة عبر عنترية تلك الأعمال الاستفزازية الجوفاء بالبحر المتوسط،من خلال تهديد السيادة المائية لدول المتوسط ليجد لأنقرة موطئ قدم يتشبع من وراءها بحصص من الثروات والغاز.
حيث استقبل وزير خارجية الوفاق محمد سيالة وفد مصرى برئاسة السفير محمد ثروت مدير مكتب وزير الخارجية المصرى بطرابلس،وذلك للتباحث حول الشأن الليبي وعودة العلاقات بين الجانبين، فكان أبرز ما دار بين الجانبين تلك المناقشات التى تناولت إعادة فتح السفارة المصرية بطرابلس،فيرى خبراء مختصون بهذا الشأن أن الدولة المصرية استطاعت أن تبرهن بشكل قوى على حيادتها بالأزمة الليبية دون تغليب طرف على طرف،ويضيف المراقبون كذلك أن القاهرة أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن تحركها بالملف الليبي لم يكن هدفه تحقيق مصالح ذاتيه بل أمن واستقرار ليبيا فقط من التهديدات التى أثارتها تلك المرتزقة والميليشيات المدعومة من الخارج،يأتى هذا اللقاء عقب اجتماع رئيس المجلس الرئاسى الليبي الجديد محمد المنفى بقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر،والذى أكد فيه الأخير على صلابة دعم المؤسسة العسكرية للحل السلمى والعملية السياسية بقيادة المنفى،للوصول بالبلاد إلى بر الأمان بإنجاز الاستحقاقات النيابية و الرئاسية بنهاية ديسمبر من العام الجارى.
ومن هذا المنطلق يمكننا التأكيد على دعم الدولة المصرية للخيار السلمى ونجاحها فى نزع الرغبات التركية الاخوانية التى كانت تستهدف إراقة الدماء واشتعال الفوضى من جديد بليبيا،ومن ثم يؤشر ذلك إلى دور مصرى حثيث لملء الفراغ الذى ستسببه تلك النقلة النوعية بتسليم السلطة من قبل حكومة الوفاق المنتهية صلاحيتها إلى الحكومة الانتقالية الجديدة،لعدم ترك الغرب الليبي فى يد أردوغان وتطويق المحاولات الإخوانية للانقلاب على المسار السياسى الجديد،مما يؤدى إلى انفتاح دبلوماسى عربى سيتجلى بخطوات مماثلة لما تفعله القاهرة،بهدف بمواجهة التدخلات التركية والتى استفادت كثيرا من الغياب الدبلوماسى العربى،مما كان له الأثر البالغ فى ترجيح كفة الاستئثار الإخوانى التركى بطرابلس ،والتى مهدت لجعل ليبيا وطن قومى للإرهاب،بهدف إبقاؤها كبؤرة نزاع مشتعلة أو التخلص منها من قبل المجتمع الدولى بالانفصال والتقسيم عن الدولة سياسيا،فنجد دولة فى الشرق وأخرى فى الغرب،تظل معها أبواب الحرب مفتوحة على مصراعيها وتبقى الأزمة الليبية كجرح لا يندمل.
فبناء الدولة المصرية لجسور التواصل مع الغرب الليبي يعطى زخما للعملية السياسية الجديدة،كما أنها تعبر عن انتهاء حقبة السراج دون رجعة،مما يحيد الدور التركى بشكل كبير،فينزع بذلك الغطاء السياسى لهؤلاء المرتزقة الذين تغلغوا بالغرب الليبي خلال الأشهر الماضية،والتى تمنح على إثرها الشرعية العسكرية المطلقة للمشير والمؤسسة العسكرية الليبية،وسط مخططات إخوانية كان يقودها وزير دفاع الوفاق صلاح النمروش المنتهية صلاحيته لتدشين جيش جديد من خلال تلك الميليشيات المدربة التى تدفقت إلى ليبيا بكثرة وبأعداد مهولة،فحاول الإخوان استنساخ شرعية لهؤلاء الإرهابيين لإحراق دور الجيش الوطنى الليبي وتفخيخه،ولكن ظل الشق الأمنى بالقضية الليبية عبر مبادرة القاهرة وبرلين حجر عثرة عرقل كل ذلك ،فتلك الشرعية العسكرية المطلقة للمشير حفتر سوف تقوده إلى حرب تحرير التراب الليبي بأكمله بعد أن أبدي المجتمع الدولى تقاعسا فى تفكيك تلك الميليشيات،ومن ثم أصبحت القوى الإقليمية العربية فى وجود الشعب والجيش الليبي هم حائط الصد الوحيد ضد الإرهاب و الفوضى.
المصدر/
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1415540-%D8%AE%D8%B7-%D8%A7%D9%94%D8%AD%D9%85%D8%B1-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D9%85%D8%A9-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A
هل نجحت مصر فى قطع الحبل السرى لأردوغان بليبيا عبر عودة العلاقات مع الغرب الليبي؟وهل أصبح مشروع الولاية التركية على ليبيا فى مهب الريح بعودة مصر دبلوماسيا وسياسيا إلى طرابلس؟
نرحب بتعليقات حضراتكم فشاركونا آرائكم.
Content created and supplied by: Bikstar (via Opera News )
تعليقات
SanAbokhalil
02-17 12:43:33والله وعملوها الرجالة
Ayman3abdela
02-18 02:50:15ليبيا تدفع ثمن أطماع الغرب بما فيهم امريكا وطبعا اردوغان كلب الصهيونية العالمية ، ايران واطماعها وأمراء الشر بقطر الذين كانوا يحلمون بدور أكبر من حجمهم ، الحمد لله الذي حفظ بلادنا بعد ارانا بعيوننا ما كان يحاك ضد بلادنا من طمع في بلادنا وثرواتنا هذا بجانب تقسيم المقيم برعاية العبد اوباما