تتجه ليبيا نحو جنى ثمار الدور الاقليمى والدولى الذى لعبته مصر بتلك الأزمة عبر صناعة منطقة منزوعة من التهديد التركى الذى كان يقض مضجع دول الجوار بأكملها،وذلك عبر خط مصر الأحمر الذى غير معالم المشهد فى جعل الشرق الليبى ينبض بالمسار الوطنى الذى يجسده الجيش الليبي بقيادة حفتر،فالحصافة التى تمتع بها المشير حفتر عبر علاقاته المتينة بالقاهرة ،جعلته يحمل لواء أمن ليبيا كجزء رئيسى من الأمن العربى،مما يعنى أن الثقة التى أولاها حفتر للدور الاستراتيجي المصرى بتلك القضية نابعة فى الأساس من توحد الهدف،وذلك بعكس العلاقة المحرمة سياسيا التى جمعت بين السراج وأردوغان،تلك العلاقة التى يمكن وصفها بالتبعية العمياء ،والتى دفعت فائز السراج الذى أصبحت نياشنه السياسية تحت أقدام حفتر اليوم يسير بشكل أهوج نحو المسار الوطنى كجماعة تمردة،وذلك لأنه وظف شرعية حكومة الوفاق الأممية لمحاربة أى فريق أو فئة قد تصنع مسار سياسى مناهض لمصالح أنقرة وجماعة الإخوان،وإن كان ذلك الجيش الليبي ذاته،وهذا يفسر أسباب تلك الحرب الشعواء التى شنها أردوغان ضد مصر بالمتوسط ردا على الخط الأحمر سرت الجفرة،ولكن استمالة مصر لليونان وقبرص وفرنسا بتلك الأزمة قلبت الطاولة فى وجه تركيا بنتائج عسكية أججت من عزلته دوليا وإقليميا.
حاولت تركيا تحويل المسرح الليبي إلى حقل تجارب لتفوقها العسكرى المزعوم عبر الطائرات المسيرة التركية التى عرفت بإسم"بيرقدار"ضد الجيش الليبي،والتى قد تكون أحرزت تقدما ملحوظا لقوات السراج باستحواذه على العاصمة طرابلس،سعيا منها لإثبات جدارتها ولكنها باءت بالفشل الذريع وانقلب السحر على الساحر،فعندما حاولت تركيا الترويج لسياساتها العسكرية وصناعاتها الدفاعية_كما تطلق عليها_ والتى أنفقت عليها ملايين الدولارات،وضعت روسيا وأمريكا بمواجهة مباشرة من حيث التقنية العسكرية التى تتمتع بها المنظومات العسكرية،ففى الشرق استطاع حفتر أن يحصل على منظومة صاروخية دفاعية روسية الصنع ضد الطائرات التى تسيرها تركيا إلى هناك،والتى قلبت الموازين نسبيا لصالح حفتر من خلال التجميد العسكرى الذى لاقته آلياته العسكرية ،ومن ثم سعت أنقرة لإثبات حسن نواياها تجاه روسيا لاستمالتها لصفها وذلك بافتناء منظومة أس ٤٠٠،بعدما استطاع حفتر أن يكتسب شرعية حماية وتدفق النفط إلى الغرب بعد إعلانه رفع القوة القاهرة عن موانئ النفط آنذاك، ومن ثم أصبحت ليبيا ساحة للنزاع التقنى العسكرى والذى أخاف كثيرة وزارة الدفاع الأمريكية.
فمصر لم ينحصر دورها على منح حفتر مكتسبات خطها الأحمر ضد العنهجية التركية والميليشية،بل استطاعت القاهرة سد كل الثغرات السياسية التى نمى لفكر أردوغان أن يلج منها لزعزعة مساحة التوافق التى خلقها اتفاق جينيف بين الفرقاء الليبيين،هذا الاتفاق العسكرى والذى لحق باتفاق آخر سياسى يرداف تلك المبادرة المصرية التى عرفت بإعلان القاهرة والتى اتسقت مع مبادرة برلين ،واللتان انصبتا نصوصهما على خروج وتفكيك الميليشيات الأجنبية من ليبيا لرسوخ مبدأ الاستقرار للعامل و الإطار السياسى الذى من المفترض أن يحكم المشهد فى حقيقة الأمر،فبوصول دبيبة إلى رئاسة الحكومة ومحمد يونس المنفى إلى رأس المجلس الرئاسى قطع ذلك الطريق على أدروغان، لأنه سحب بساط الشرعية من تحت أقدام المصالح التركية التى تحتمى بأممية حكومة السراج، والتى غيبت قدرة تركيا على أدنى درجات التصعيد ضد الجيش الليبي بعد أن خططت لتفخيخه كمسار وطنى بتلك الأزمة.
حيثة أكدت مصادر مطلعة لقناة"سكاى نيوز عربية" أن السفير الأمريكى والتركى بليبيا قد عقدا اجتماعا ثنائيا ناقشا من خلاله خروج المرتزقة والميليشيات من ليبيا فى غضون أسبوعين،وتضيف المصادر أن المسئولين الليبيين قد اطلعوا على فحوى هذا القرار وعلى علم به،مستطردا أن خطة إجلاء هؤلاء المرتزقة سوف تتم عن طريق طائرات تركية وطائرات الخطوط الجوية الأفريقية على أن تقوم بإرسالهم إلى تركيا ثم سوريا،حيث يصل عدد هؤلاء المرتزقة السوريين وفقا لاحصائية رسمية نقلتها ستيفانى ويليامز مندوب الأمم المتحدة إلى ليبيا السابقة بحوالى ١٠٠٠٠ عنصرا وذلك خلال شهر ديسمبر من العام الماضى،قبل احصائية جديدة للمرصد السورى الذى حدد عددهم بما يقارب من ٦٥٠٠ عنصرا.
وعلى جانب ثانى انعقدت اللجنة ٥+٥ بوجود ضباط عسكريين من حكومة الوفاق والجيش الوطنى الليبي عقب أداء اليمين الدستورية لحكومة دبيبة بعد أن نالت ثقة البرلمان أول أمس،وذلك لمناقشة عدد المرتزقة والميليشيات الأجنبية بليببا وحصر أماكنهم إستعداد لترحيلهم،وعلى هامش تلك الجلسة صرح مدير إدارة التوجيه المعنوى بالجيش الليبي اللواء خالد المحجوب أن قرر ترحيل المرتزقة والميليشيات ليس فى يد الدولة أو اللجنة العسكرية ولكن يحب أن يلعب المعسكر الدولى دورا فى هذا إلى جانب الدولة التى قامت بإرسالهم إلى ليبيا، مضيفا أن اجتماع اللجنة العسكرية ناقشت كذلك الترتيبات الأمنية لفتح الطرق الساحلية بين الغرب والشرق.
ومن هذا المضمار يمكننا الذهاب نحو هزيمة خط مصر الأحمر لاستراتيجية أردوغان العسكرية بليبيا، والتى احتدم الصراع بينها كصراع منهجى بين تدخل تركيا بليبيا لاستنزاف ثرواتها وبين نظرية الأمن القومى العربى،الذى يمثل حاضنة حقيقية للأمن القومى المصرى وجزء لا يتجزأ منه،فالتنسيق التركى الأمريكى بشأن إخراج المرتزقة من ليبيا من المؤكد أنه مدفوع الأجر،وذلك لأن سياسة المصالح لا تعرف مجانية المواقف مطلقا،فذلك الغطاء الأمريكى لجلاء تركيا عسكريا من ليبيا سوف يكون بمثابة الخروج الأمن لأردوغان،فى مقابل إدارة ظهر تركيا لروسيا،وذلك كنتاج لتعميق الخط السياسي الذى يستهدف التمهيد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية بنهاية هذا العام،مما سلط الضوء على أن سياسة حفتر التى تدعمها القاهرة أصبحت تحظى بالموثوقية الدولية بعد أن أضحت تركيا ورقة محروقة،وذلك جراء نجاح الجيش الليبى بالاختبار الأول الذى مر به عندما استطاع أن يستخدم استراتيجية النفط لصالح المسار الوطنى،فى وقت كانت تذهب تلك عائدات النفط لتمويل الميليشيات الإرهابية عبر حكومة الوفاق السابقة،فالمسار الوطنى والسياسى الذى يلقى دعما داخليا من قبل الجيش الليبى وإقليميا ودوليا كذلك، يعتبر كصك مشروع لإزالة العراقيل التى قد تؤثر على مساره نحو أداء دوره بتحقيق الاستحقاقات السياسية المرتقبة،فخوف أردوغان من إسناد حرب تفكيك ميليشياته لصالح المشير حفتر يعود إلى محاولة صبغ استراتيجية العسكرية بليبيا بالصبغة الدبلوماسية،فى ظل تصاعد حظوظ المعارضة التركية سياسيا فى مقابل خفوت اقتصادى وسياسى لحكومة أردوغان،قد يضع مستقبل أردوغان على المقصلة السياسية قبل موعد الانتخابات عام ٢٠٢٣،ومن ثم لم يعد هناك فرصة لأردوغان سوى الانصياع للقرارات الوطنية،ومثابرة المشير حفتر عن الزج بقواته لتحرير مباشر ضد الاحتلال التركى يرجع إلى عدم منح فرصة للإخوان الإرهابية عبر التشويش على المسار السياسى بنشر الفوضى والدم التى سوف تلوح بالأفق بشكل مؤكد بعد ضياع الشرعية من بين أيديهم كما يصفونها.
المصدر/
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1422084-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%94%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D9%94%D9%86-%D9%85%D8%B1%D8%AA%D8%B2%D9%82%D8%A9-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%94%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9%D9%8A%D9%86
هل يهدم حفتر طموح تركيا بخروج عسكرى ناعم من ليبيا برعاية أمريكية؟
نرحب بتعليقات حضراتكم فشاركونا آرائكم.
Content created and supplied by: Bikstar (via Opera News )
تعليقات