مازالت أزمة سد النهضة تتصدر المشهد الإقليمى برمته وسط زخم كبير يتوغل بتلك القضية،ذلك الزخم الذى صبغته تحركات أطراف الأزمة تجاه هذا الملف وفقا لاستراتيجية ومفاهيم المصالح التى تطرأ على بشكل وجوهر مختلف بين اللحظة والآخرى بناء على تغيير معطيات تلك الأزمة التى تحظى بثوابت رئيسية،تلك الثوابت التى يمكننا توصيفها وترجمتها بهذا التعنت الذى أصبحت تدين به إثيوبيا كعقيدة سياسية فى عهد أبي أحمد،بينما تمثل نظرية الأمن القومى لمصر أحد أهم أركان تلك الثوابت،والتى تختزلها السودان فى فكر ضيق للغاية يقوم على سعيها نحو صك وضمان قانونى لعدم الإضرار برؤيتها للحل فقط وليس مصالحها فى حقيقة الأمر التى تستهدف القاهرة إحقاقها عبر الاتفاق القانونى الملزم العادل للدول الثلاث،والتى تترسخ بمنطوق تلك المرجعية التى تستهدف مصر تدشينها كقاعدة لحل أزمة السد.
لم تفلح إثيوبيا فى ترويج رؤيتها التأمرية بشأن سد النهضة والتى كانت تنوى إشعالها ضد مصر على الصعيد الدولى،وذلك بعدما أفسدت القاهرة ذلك النهج الأسود عبر منهجية الحل التى طرحتها للتوافق حول نزع فتيل تشابك المصالح بين الدول الثلاث،من خلال إقرار مقاصد النفع لأطراف الأزمة بوجود اتفاق يصون حقوق القاهرة وإثيوبيا والسودان،بما يعنى الاعتراف بحقوق التنمية لأديس أبابا عبر إنشاء المشروعات الاقتصادية بوجه عام والمشروعات المائية بوجه خاص،وفى نفس الوقت لا يؤثر ذلك على حقوق مصر المائية وسيادتها فى عدم فرض نظريات العجز المائى ضدها،أما بالنسبة للسودان عدم إجبارها على الاعتماد على بدائل للنيل الأزرق مثل الأمطار وفقا للفقه السياسى وقوانين ومعايير الأمان،ومن ثم عدم قدرة نظام أبي أحمد على تأجيج تلك المؤامرة نظرا ليقظة القاهرة الدبلوماسية أحبط بشكل كبير تلك المساعى الإثيوبية التى كانت تؤصل لتوسيع قاعدة المشاركة و الاكتتاب الشعبى بمنظومة السدود والتى لا تقل عن أهمية والبنية العملاقة لسد الألفية أو سد النهضة،مما أخضع نظام أبي أحمد لاستغلال تلك السدود سياسيا عبر إنشاء سدود صغيرة داخل الإقاليم الإثيوبية الكبيرة مثل إقليم أمهرة وشنقول وغيرها بعد نجاح إقليم تيجراى بتسويق فكرة الانفصال عن إثيوبيا،مما بدوره قد يزعج أبي أحمد بشكل كبير بشأن تقويض نفوذه السياسى وشرعيته بعد وقوعه ببراثن العمل العسكرى ضد جبهة تيجراى والمرشحة للتزايد وتعميق الجراح.
تحاول إثيوبيا استغلال السودان سياسيا وأمنيا للوقوع بفخ إنشاء جبهة مضادة للمصالح المصرية والتى فى حقيقة الأمر ترعى فى نفس المضمار مصالح الدول الاخرى كذلك ،والتى قطعت شوطا كبيرا تجاه ترسيخها بالقناعات الدولية من خلال تلك المقبولية التى أتاحت الفرصة أمام استقرار الموقف المصرى لحل الأزمة عن طريق تنامى صدى المنهجية المصرية التى تنادى بها على الصعيد الدولى والإقليمى والعربى،ففى الوقت الذى كانت يظهر فيه رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد قوته المفرطة تجاه إقليم تيجراى،كانت مصر تسن أنياب دبلوماسيتها الناعمة إزاء الحل الشامل لإدارة أزمة السد بنجاح لوقف زحف استدعاء الجانب الإثيوبى لمعسكر الشر إلى حوض وحضن القرن الأفريقي، وهذا بدوره ما يلقى بظلاله على تلك المناورات والقرارات الأحادية التى تحاول إثيوبيا نهجها بإعلانها عن عزمها للملء الثانى للسد،مما سيجعل إثيوبيا تفكر مرارا وتكرارا قبل الإقدام على تلك الخطوة التى تحمل جانب آخر،تستهدف من خلاله تراجع السودان عن التضامن مع الرؤية المصرية للحل لتفتيتها لصالح المماطلة الإثيوبية ،بعد أن تبنت الخرطوم خارطة الحل الذى أقرتها القاهرة كأنموذج واقعى وسلس لحلحلة تلك القضية التفاوضية التى اندلعت منذ عشر سنوات مضت.
حيث أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن عدم توصل الاجتماع السداسى الذى انعقد يوم أمس الأحد بين وزراء خارجية الدول الثلاث إلى جانب وزراء الرى فى كل منهم،إلى حل مثمر بملف السد،وقد عللت وزارة الخارجية المصرية مسببات ذلك عبر بيانها الختامى،التى تحدثت فيه عن صعوبات إجرائية لأزمة السد قد اعترت تلك الجلسة الأخيرة ،والتى كانت تستهدف السودان من خلالها إلى مطالبة الإتحاد الأفريقي بدور أكثر حزما وقوة من خلال إفساح المجال أمام دور ريادى للخبراء الأفارقة لتقريب وجهات النظر وتجسير المسافات بين القضايا الخلافية،وأورد البيان المصرى تحفظ القاهرة على ذلك،كاشفا عن الأسباب التى دارت حول أن منهجية الحل يجب أن يكون قرار نابع من إرادة الدول الثلاث وليس من قبل خبراء الإتحاد الأفريقي الذى تنقصهم المعرفة الكاملة لوقائع الأمور الفنية و البيئية للدول الثلاث.
وعلى جانب ثانى أعلن المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتى بحوار خاص مع"العين الإخبارية"أن إثيوبيا قد واقفت على أن يكون دور الخبراء مقتصرا على تقديم المقترحات والأطروحات فقط ويكون للدول الثلاث اليد المطلقة فى إقرار ما تشاء من تلك الأفكار والمبادئ التوجهية، ويضيف مفتى أن السودان يميل إلى إعطاء القرار للخبراء الأفارقة وهذا ما لا تقبله إثيوبيا ومصر!!،مستطردا أن الحوار هو الخيار الأمثل لتلك القضايا العالقة بين أطراف الأزمة،مؤكدا أن علاقات بلاده تمتاز بالتعاون والمتانة مع السودان وفقا لقاعدة المصالح المشتركة مثل قضية ترسيم الحدود الذى تمت فى الأونة الأخيرة،ذلك الحوار الذى سبقته تصريحات من قبل وزير الرى السودانى ياسر عباس الذى طالب فيها بعدم المحاصصة بين ملء السد وتشغيله، مؤكدا أن كلا القضيتان لا تنفصلان عن بعضهما البعض بشأن مخاطر السد على السودان،حيث طالب عباس بضرورة وجود منهجية جديدة للتفاوض لحل الأزمة.
ومن هذا المضمار يمكننا أن نسلك ذلك النهج الذى يشير إلى مساعى إثيوبيا لتمييع حل الأزمة بما يصب فى صالحها تجاه تحويل منهجية الحل المصرى إلى صورة بروتوكلية و توافقات شرفية ،حتى تنفصل عن واقع الحلول التى استتبت بقوة النفوذ المصرى والتى تأتى امتدادا لاتفاق المبادئ الموقع عام ٢٠١٥ ،والذى يضمن تبادل معلومات التشغيل حول منظومة السدود بالدول الثلاث بما لا يخل بكفاءة عملها وانتاجيتها المائية ،فحديث المسئول الإثيوبى عن توحد موقف بلاده مع الجانب المصرى هو فى حقيقة الأمر حق يراد به باطل،فيحاول المسئول الإثيوبى من خلال حديثه عن العلاقات الجيدة مع السودان أن يلمح للجانب السودانى أنه الخيار البديل للقاهرة الذى يرتكن بأحضانها،مما يجعلها مؤهلة لحمل مسئولية وعناء وهم الخرطوم الذى يشغلها جراء تلك الأزمة، وذلك بهدف استقطاب السودان للصف الإثيوبى خوفا من دعم الخرطوم للقاهرة باتخاذ خطوات تصعيدية باللجوء إلى مجلس الأمن للفصل فى تلك الأزمة ،والذى بالضرورة سيؤثر باتجاه رسم خط فاصل لمصير تلك الأزمة،فتلك المكافأت التحفيزية مثل ترسيم الحدود وما شابه والتى يحاول المسئول الإثيوبى أن يلقى برموزها نحو قادة الخرطوم،يمثل فى حد ذاته خطوة نحو دحرجة كرة النار إلى الميدان المصرى لتخفيف وطأة الضغط الذى تمارسه ضد إثيوبيا كمحاولة لإيجاد تفاهمات مغايرة لفكرة الاتفاق الملزم بشأن السد.
فالقاهرة تستهدف من وراء عدم ترك ميدان أزمة السد للإتحاد الأفريقى إلى عدم إفشال مفهوم التفاوض برمته،حتى يبقى الضوء مسلطا على التعسف الإثيوبى وتحركاتها على الأرض التى تخالف القانون و المتمثلة فى استمراريتها ببناء السدود الصغيرة التى أعلنت عنها مؤخرا،وذلك لأن الإتحاد الأفريقى دوره مرهونا بضعف وهشاشة القيادة التى لم تثمر عن شيء جدى منذ رعايته لدفة التفاوض،فى ظل تمدد إثيوبى وتعنت لا مثيل له لم ترق فيه مسئولية تلك المؤسسة الأفريقية إلى منظور الردع بشكل أو بأخر،فتلك الحدود التى تحافظ الدولة المصرية على وجودها بشأن السد تبرهن على استراتيجية مصرية لعدم وقوع السودان كفريسة للخبث الإثيوبى على حساب دعم منهجية الحل المصرى،إلى جانب تحقيق خروج أمن لدائرة التفاوض من أروقة الإتحاد الأفريقى إلى داخل مجلس الأمن بخطى حسيسة دون خسارة مكاسب هيكل الحل،الذى يتضمن ما توافقت عليه اجتماعات هيئة مكتب الإتحاد الأفريقي من وجود اتفاق قانونى يراعى حقوق الدول الثلاث.
المصدر/
https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2021/01/10/%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A6%D9%86%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9
https://al-ain.com/article/1610211053
فى رأى حضراتكم هل رسمت مصر حدودا واقعية لحل أزمة السد بشكل يمنع استقطاب إثيوبيا للسودان إلى فلسفة الوهم ؟
نرحب بتعليقات حضراتكم فشاركونا آرائكم.
Content created and supplied by: Bikstar (via Opera News )
تعليقات
AbdelHakimTakiEldin
01-12 05:28:04بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد صدق الله العلى العظيم