اتفقت أو اختلفت علي شخصية العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، فإنه من الصعب عليك إنكار شيئين في شخصية الرجل، أولهما أنه كان قومي عربي من طراز رفيع، مؤمن حد اليقين بمشروع الرئيس جمال عبد الناصر. وثانيهما أنه لم يكن جبانا علي الاطلاق، تصريحاته ومواقفه وسياسته كلها كانت تؤكد ذلك... وبعد هذا فاتفق معه أو اختلف كيفما شئت.
كان القذافي قد قام بثورة "الفاتح من سبتمبر" تيمنا بثورة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، لينهي الحكم الملكي فيها ويطيح بالملك السنوسي من علي العرش، وقد سميت بالفاتح لأنها وافقت تاريخ الأول من سبتمبر عام 1969، ورغم أن الفترة بين وصوله لحكم ليبيا ووفاة الرئيس "جمال عبد الناصر" لم تزد عن عام وسبعة وعشرين يوما بالضبط "إذ توفي عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970"، فإن القذافي زار مصر مرات كثيرة معلنا ولاءه ونظام الحكم في بلاده لعبد الناصر ومشروعه ومعركته الأهم حينها "تحرير سيناء".
وعلي نهج مغاير، تابع القذافي مسيرته مع السادات ورغم ذلك فلقد كان للقذافي دور في دعم الجيش المصري ببعض الأسلحة قبل حرب أكتوبر كان أهمها علي الاطلاق صفقة لطائرات "ميراج-5" الفرنسية الصنع والتي كانت من أفضل الطائرات في العالم وقتها، وتعاقد عليها القذافي باسم ليبيا لكن أعطي لمصر سربا منها.
ظل القذافي في علاقة متوازنة مع السادات بعد الحرب وخصوصا أنه حضر حفل تكريم أبطال الحرب عام 1974، ثم عادا للأخذ والرد، حتى أعلن السادات نيته توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، فتحول لعدوه الأول وحدثت الكثير من المشادات الكلامية وبعض الاشتباكات أحيانا بسبب ذلك. لكن وفي حرب أكتوبر وحينما بدأ القتال في السادس منه لعام 1973 لم يطق القذافي صبرا للوصول لمصر ليتابع بنفسه تطورات القتال أولا بأول... لقد كان القذافي يعتبر نفسه مقاتلا في المعركة وليس رئيس لدولة تجاور مصر أو حتى دولة شقيقة لها.
السادات والقذافي، يظهر خلفهما الفريق بحري عبد الرحمن فهمي قائد القوات البحرية المصرية حينها
أوصلوني إلي القاهرة:
كانت كل المواصلات مقطوعة وقتها بين مصر وليبيا مع اندلاع القتال، لم يكن أمام معمر القذافي سوي أن يستقل السيارة من ليبيا ويصل إلي السلوم ثم منها إلي القاهرة برا، لكن القذافي رفض هذا الحل لأنه سيستغرق الكثير من الوقت وكان يري أن لكل دقيقة في هذه المعركة أهميتها وثمنها.
فجأة قال لمن جوله: إذن سوف استقل طائرة عسكرية.
اعترض المحيطين بالرئيس لأن الأمر بالغ الخطورة لأن الصواريخ المصرية المضادة للطائرات قد تعترض الطائرة وتتعرض لهجوم من الصواريخ المصرية، وحتى لو نجح الطيار في تفادي الدفاع الجوي المصري، فإنه لن يستطيع التواصل مع أي برج مراقبة مدني ولن يستطيع الهبوط في أي مطار مدني أو عسكري لأن كل المطارات المصرية مغلقة أمام أي طائرة بخلاف طائرات سلاح الجو المصري.
سكت القذافي لحظات ثم فجر المفاجأة أمام الجميع، إذن سأستقل الطائرة ثم أهبط فوق القاهرة بالمظلة كرجال الصاعقة.
ووسط الذهول والصمت لم يكن أحد في ليبيا يستطيع ايقاف رغبة القذافي... وبالفعل اتجه قائد الثورة الليبية إلي قاعدة عسكرية ليبية وتم تجهيز طائرة نقل عسكرية خصيصا لهذه المهمة، وأخذ رجال المظلات الليبيين يعلموه كيفية فتح المظلة بعد الهبوط الحر من الطائرة وكيف يتفادى الاصابات التي قد تلحق به عند ارتطام قدميه بالأرض لحظة الهبوط.
منع الدخول:
الغريب أن القذافي عندما وصل إلي مصر لم يدخل غرفة العمليات مباشرة، بل لم يدخلها حتى يوم 22 أكتوبر وحينما ذهب لهناك منفردا بدون الرئيس السادات رفض المشير أحمد اسماعيل علي دخوله، وأيد السادات رأي المشير.
يحكي ذلك الأستاذ محمد حسنين هيكل في أحد مقالاته التي نشرت عام 1999 في مجلة "وجهات نظر" المصرية ويضيف أن القذافي زاره في مكتبه في صحيفة الأهرام العريقة يوم 26 أكتوبر واشتكي له مما حدث ... فتعلل هيكل للقذافي بضرورة مغادرة مكتبه فورا لأمر هام يخص نشر عدد اليوم التالي ثم سيعود للقذافي فورا ... وخرج واتصل بالرئيس السادات الذي أكد له علي ما حدث وقال بصوته المشهور: "معمر سوف يحكي لطوب الأرض عما يرى في غرفة العمليات".
بالطبع كان علي الأستاذ هيكل وقتها مهمة أن يهدئ القذافي ويضع له أي أسباب أخرى بعيدة عما قاله السادات ... وأيضا بعيدة عن رأي الأستاذ هيكل نفسه الذي كان يري أن القذافي كان من حقه دخول غرفة العمليات كصديق موثوق به وكجار مباشر استخدمت ارضه عمقا استراتيجياً للجهد العسكري, وفوق ذلك كشريك في المعركة حيث قدمت ليبيا قبل الحرب مباشرة وفي عام 1973 فقط مليار دولار ثمن اسلحة ضمنها القوارب المطاطية التي عبرت بها الموجة الاولى من القوات المصرية قناة السويس الى سيناء.
ليست المرة الأولى:
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يحضر فيها القذافي لمصر دون علم أحد، ففي أغسطس من نفس العام وقبل الحرب بشهرين تقريبا وصل بطائرة إلي مطار القاهرة الدولي دون أي تحضير لدرجة أن الطائرة هبطت ولم يكن هناك سيارة في انتظاره، فاستقل سيارة أجرة ونزل في فندق درجة ثانية.
ويحكي الأستاذ الكبير "محمد حسنين هيكل" في كتابه "الطريق إلي رمضان" تفاصيل تلك الزيارة التي أوصلت القذافي إلي "ميت أبو الكوم" بلد الرئيس السادات في محافظة المنوفية، كان القذافي يضغط بشدة علي السادات من أجل الوحدة مع مصر وأن تحتفظ القاهرة التي وفقا لرؤيته ستكون عاصمة الوحدة باسم "مصر" لأنه يدرك حب المصريين الشديد لاسم وطنهم، وهي المحاولات التي لم يكتب لها النجاح يوما.
ورغم كل تلك المواقف لم يغيب القذافي عن حفل تكريم أبطال القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر 1973 والذي عقد في مجلس الشعب المصري في أكتوبر من العام التالي 1974.
المصادر:
*المصري اليوم:
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1423471
*المجموعة 73 مؤرخين:
https://group73historians.com/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1/134-%D9%82%D8%B5%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AC-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1?showall=1&limitstart=
*عدد مجلة الأهرام العربي التذكاري بمناسبة مرور 25 سنة علي حرب أكتوبر، أكتوبر 1998، صفحة 115، حوار مع العميد علي الفيتوري خليفة قائد اللواء التاسع الليبي المدرع الذي أرسل إلي مصر في حرب أكتوبر، حواره الصحفي حسين فتح الله.
*اليوم السابع:
*جريدة البيان الإماراتية:
https://www.albayan.ae/last-page/1999-05-01-1.1061199
Content created and supplied by: محمدعلام14 (via Opera News )
تعليقات
Sakrkoriesh
02-06 17:26:43رحم الله الجميع كل واحد من وجه نظره صح ولكن لا أحد ينكر دوره في شراء طلمبات المياه وطائرات الميراج وقوارب المياه وغيره لعلها حسناته أمام الله وكذالك دعم الأفارقة المسلمين وعمليات الدعوه بأفريقيا ولكن مات بطريقه لم تكن تليق من وضع السكين في دبره قبل مقتله من الجماعات الارهابيه وجماعات البربر تبعهم نفس طريقه قتل السادات
عيدالبغدادى
02-06 08:12:32الله يرحمه قائد بمعني الكلمه عربي اصيل
GUEST_ZWmgrdxNo
02-06 06:47:44الله يرحمه له ماله وعليه ماعليه ولكنه لم يكن خائناابدا