من داخل المقابر تجد ذلك الرجل الذي ملئ الشيب رأسه ولحيته يجلس بجانب القبر من الشروق حتي تغيب الشمس, الكل كانوا يعلمون أسمه وكان يدعى مرزوق وكان الجميع متأكد من انه رجل مجنون من مظهرة وملابسه الممزقة, وكان مرزوق لا يتحدث مع أحد أبدا ولم يكن أحد يعلم حقيقة هذا الرجل أو من أي جاء ولماذا يجلس كل هذا الوقت أمام هذا القبر كل هذه السنين؟, كل تلك التساؤلات كان تشير أن هذا الرجل أنه مجنون أو أنه شخص مبروك.
كان يسكن في احد الاسطبلات المهجورة والتي كانت تدور حولها الشائعات والأقاويل المخيفة, وقالوا عنه في احدى المرات كان هناك مزارع يسكن هذا الاسطبل ويعمل على تربية المواشي وذات يوم وجد حصان جميل لا يعلم من هو صاحبه وظل يبحث عن صاحبة ولم يجده, وبعدها قرر ان يأخذ هذا الحصان ضمن مواشيه وبعدها وضع أمام القش ليأكل, وفي المساء سمع الرجل صوت يأتي من داخل الاسطبل ظن أن من هناك يسرقه, فهب الرجل على الفور وذهب إلي الاسطبل وفتح الباب وعندها وقع الرجل مغشي عليه عندما وجد الحصان قد تحول إلي رجل يلبس رداء أبيض, فكانت تلك احدى تلك الأقاويل.
ومنذ تلك الليلة لم يقترب أحد من هذا الاسطبل إلا مرزوق ولهذا ظن الجميع أن هذا الرجل مجنون أو هو شخص مبروك, لم يكن مرزوق يتسول ولكنه كان يتقبل الصدقات إذا جاء له شخص بطعام أو أعطاه مال كان يأخذ, وظل مرزوق سنوات على هذا الوضع ولم يقترب أحد من هذا الاسطبل, وذات يوم جاء رجلان غريبان عن المدينة ومعهم سمسار للعقارات كان يدلهم على هذا الاسطبل وقال لهم أن هناك رجل مجنون في الداخل ولا يجب عليهم أن يزعجوه.
وعندما دخل الرجلان وجدوا هذا الشخص ينام على قش قد مر عليه السنوات ومظهره يوحي بأنه لم يستحم منذ سنوات, وعندما أقترب الرجلان من مرزوق وإذا أصابتهم الصدمة, لقد وقف الرجلان وقال أحد منهم" هل أنت منعم؟, أنت تشبه أبي كثيرا", وهز الرجل الثاني رأسه ليوافق على كلام أخيه وقال" أنه سمع من أبيه قبل أن يموت منذ سنوات طويلة أنهم كان لهم أخ ولكنه غادر قبل سنوات عديدة ولم يعلم أحد عنه شيء".
فبكي مرزوق وتحدث لأول مرة منذ سنوات طويلة قائلا" نعم أنا منعم أبن أبيكم", وقف السمسار مذهول من هذا الحوار وظل يستمع بكل جوارحه, وعندما سألوه عن السبب لبقائه هنا قال مرزوق" أنه كان يحب فتاة من هذه المدينة تدعى نوره وكان يعشقها لأبعد الحدود وطلب من والده أن يتزوجها ولكنه رفض, وبعدها علمت أنه قد تزوجت في هذه المدينة من رجل أخر, ومنذ تلك اللحظة جئت إلي هنا لأراقبها وافوز بنظره منها, وظللت على هذا الوضع أياما وشهور وأنا كنت أعرف مكان بيتها جيدا".
وأكمل منعم قائلا" وفي ذات ليلة علمت أن نوره قد ماتت فتتبعت الجنازة وعلمت مكان قبرها, ومنذ تلك اللحظة وأنا أذهب إلي قبرها كل يوم واظل بجانبها ساعات طويلة حتي يحل الليل وأعود إلي هذا المكان لأنام فيه", فوقف الرجال الثلاث متعجبين من هذا الأمر, وطلبوا أخوته منه أن يعود معهم إلي بيته, ولكن مرزوق رفض وأكد أنه سوف يموت بالقرب من حبيبته ولن يبتعد عنها لحظة واحدة.
وبعد تلك الواقعة علم اهل المنطقة كافة حقيقة هذا الأمر وعلموا لماذا يأتي إلي هذا القبر كل يوم؟, وتحولت نظرة الاحتكار في عيونهم إلي نظرة تقدير واحترام ولم يتلفظ أحد بلفظ مجنون على هذا الرجل المحب بعد تلك اللحظة, وظل منعم محافظ على زيارة قبر نوره حتي أتاه الموت وهو جالس أمام قبرها.."النهاية"
Content created and supplied by: واقع (via Opera News )
تعليقات