لعل الكتب والمقالات والتحليلات التي كتبت حول جرائم " جاك السفاح " (1888- 1891م) ومحاولة تحليل شخصيته وتخمين هويته الحقيقية ،تزيد بمئات المرات عما كتب من مؤلفات ودراسات حول الملكة فيكتوريا (1819-1901م) ،التي عاصرته ووقعت الجرائم المنسوبة إليه في زمنها.
وبعيدا عن وحشية وبشاعة تفاصيل الجرائم التي حملت توقيع " جاك السفاح " ،أو تلك التي نسبتها الشرطة أو المحققون اللاحقون له ،فإن هناك لغزا كبيرا يتمثل في قدرة السفاح المجهول الخارقة على الاختفاء والهروب من مواقع الجرائم خلال دقائق قليلة بعيد وقوعها ،بل والأكثر غموضا وإلغازا هو أن بعض جرائمه تمت في شوارع مزدحمة بالمارة ،وفي توقيتات زمنية يتحتم أن يكون بعض الناس قد شاهدوه فيها أو شهدوا على وقوع الجرائم ،لكن فعليا فإنه كان يقترف جرائمه بالقرب من المارة دون أن يستطيع أحد رؤيته أو إعطاء أوصاف تقريبية له !
وهذا يطرح سؤال ربما بدا غريبا أو غير منطقي وهو : هل كان " جاك السفاح " في الحقيقة شيطانا يتسلى بقتل وتمزيق الغانيات وإشاعة الرعب والهلع في تلك المرحلة المظلمة المحملة بالرعب من تاريخ بريطانيا في بدايات القرن العشرين ؟!
وكتوطئة سريعة لمن لم يسمع بقضية " جاك السفاح " من قبل ،نقول أنه وفي عام 1888م وفي لندن بدأت فورة من جرائم القتل الشنيعة طالت مجموعة من المومسات وبنات الليل ،اللائي قتلن كلهن بطرق متشابهة ،من قطع الحنجرة والتشويه الوحشي للجثة ،ويبلغ عدد الجرائم الكلي أحد عشر جريمة (11)،بيد أن مؤرخي الجريمة ينسبون خمس منها فقط تعرف بالخمس الكنسية Canonical five إلي قاتل مجهول الهوية أطلق على نفسه اسم " جاك السفاح " ،في مجموعة من الرسائل الساخرة والمتحدية التي أرسلها إلي شرطة سكوتلنديارد ،هذه الخمس كان ضحاياها وتاريخ وقوعها كالتالي :
1- " ماري آن نيكولز " 13 أغسطس 1888م
2- " آني تشابمان " 8 سبتمبر 1888م
3- " إليزابيث سترايد " و" كاثرين أيدوز " قتلتا في ليلة واحدة 30 سبتمبر 1888م
4- " ماري كيلي " 9 نوفمبر 1888م
في كافة هذه الجرائم لم يقدم شاهد واحد مواصفات دقيقة للقاتل ،أو للمشتبه به ،ممن تصادف وجودهم في مسرح الجريمة قبيل أو بعيد وقوعها بقليل ،لم تظهر أدلة تقود إلي القاتل ،لم يري أحد وجه القاتل بشكل كامل أو مواجهة ،وتضاربت أقوال الشهود على نحو مثير للأسي ويقطع بأن أحد منهم لم يري ما يكفي بحيث يكون ذا نفع للمحققين المرهقين .
كل هذه التفاصيل تكاد تكون متشابهة في حالات سفاحين وقتلة كثر ،لكن أن تقع جريمة في ضوء الشمس وفي فناء يمر عليه الكثيرون جيئة وذهابا ،دون أن يُري القاتل أو يشاهد أحد عملية القتل والتشويه ذاتها فهذا لغز يستحق مزيد من التأمل وطرح الحلول التي قد تبدو غير واقعية أو مغرقة في الخيال .
في الحادث الثاني ،جريمة مقتل " تشابمان " التي وقعت يوم السبت 8/9/1888م كانت هناك تفاصيل مذهلة ،أولها أن الضحية كانت حية حتى الساعة الخامسة والنصف صباحا ،فقد شاهدها بعض الشهود برفقة شخص ما في تلك الساعة ،وكانت تتبادل الحديث معه ،ولكن في السادسة صباحا وُجدت المرأة صاحبة الستة والأربعين عاما في ذات الفناء مذبوحة بجرحين قطعيين ،وقد تم أيضا بقر بطنها واستئصال رحمها ،كل ذلك ولم يري أحد شيئا ولم تُسمع صرخات استغاثة ،والأعجب أن يستطيع شخص ما ارتكاب جريمة مروعة كتلك ،وإجراء جراحة دقيقة ونظيفة لإزالة رحم امرأة ،دون أن يجرح أو يشوه الأعضاء المجاورة ويأخذه بعيدا ،كل ذلك في أقل من نصف ساعة .. فأي قاتل هذا ؟!
آني تشابمان : هل قاتلها إنسان أم شيطان من الجحيم ؟!
من التفاصيل المرعبة في تلك القضية هو لغز إقدام القاتل على صرع ضحيته وتمزيقها وبتر أجزاء من أعضاءها الداخلية كل ذلك في وضح النهار ،وفي وقت أشرقت فيه الشمس بالفعل ،وفي موقع يمر عليه عشرات الأشخاص جيئة وذهابا دون أن يُري السفاح أو يشاهد أحد عملية تنفيذ الجريمة ذاتها ،فهل يعقل أنه ما من أحد تصادف مروره أثناء عملية القتل والتمزيق نفسها برغم أنه ،ووفقا للجراحين الذين انتدبتهم الشرطة لمعاينة بقايا الضحية ،فإن عملية التمزيق والاستئصال النظيفة التي تمت بحرفية عالية تستلزم وقتا يتراوح بين خمسة عشر دقيقة وساعة كاملة ؟!
طبقا للسجلات المحفوظة لتلك القضية الغريبة فإن موعد شروق الشمس في صباح يوم 8 سبتمبر ،تاريخ وقوع الجريمة ،هو تمام الساعة الخامسة وثلاث وعشرين دقيقة صباحا ،وهذا يعني أن كل مراحل عملية القتل تمت في وضح النهار ،تزيد الأمور تعقيدا عندما نعلم أن الفناء التابع للمبني رقم 29 شارع هانبري /سبيتالفيلدس / وايتشابل ،حيث وقعت الجريمة ،تطل عليه نوافذ خمسة من قاطني المنزل ،الذين كان عددهم 17 شخصا ،وبعض تلك النوافذ كانت مفتوحة ،لكن لم تُسمع أصوات استغاثة ولا صراخ ،وحتى وإن كان القاتل قد خنق ضحيته أولا قبيل تمزيقها ،فإن تمكنه من تقطيعها بشكل احترافي وبدقة عالية في موقع خطر كهذا ،وفي ضوء الشمس يعني أنه لا يخشي شيئا أبدا ،أو أن أحدا لا يستطيع رؤيته وهو يرتكب جريمته المروعة !
فهل شاهد أحدهم السفاح المجهول وهو يقترف جريمته الثانية ،ثم منعه الرعب والهلع من إعطاء أوصاف دقيقة للشرطة ،أو تكتم الأمر لسبب ما؟!
أم أن " جاك السفاح " في حقيقة الأمر ليس سوي روح شريرة أو شيطان عابث ،لديه مشكلة ما مع المومسات والساقطات ،وقد قام بتسوية حسابه بطريقته الخاصة معهن ،في تلك السنوات المظلمة من تاريخ إنجلترا ،ثم تلاشي من الوجود .. أو عاد إلي الجحيم الذي كان يستخدم اسمه لعنونة رسائله المستهزئة إلي شرطة سكوتلنديارد ،التي لاحقته طويلا دون جدوي ، ولم تتمكن في النهاية لا من الإيقاع به ولا حتى مجرد تحديد هوية حقيقية ومؤكدة له ؟!
مصادر
https://www.jack-the-ripper.org/
Jack the Ripper - The National Archives
Content created and supplied by: manalabdelhameed (via Opera News )
تعليقات